هل
من صديق؟
[center]ربَّما
تكون هاته الخاطرة منطلقةً على غير هدًى، ولكنَّها خرجتْ إثر سؤالٍ ملحٍّ يطلبُ
إجابةً شافية عن إمكانية إيجاد صديقٍ وفيٍّ ومخلص.
هل
من صديق؟
نسمع
كثيرًا من النَّاس يقولون: إنَّ فلانًا قد حصل على براءة اختراع؛ لأنَّه دأب على
تحقيق شيءٍ ما، أو اكتشفَ أمرًا ما، أو حلل قضيةً ما، أمَّا أنا فقد حصلتُ على
براءةِ الفشل أو فشلِ البراءة؛ لأنِّي لم أستطع أنْ أفهمَ تلك النفسيات الغريبة
التي يغصُّ بها المجتمعُ، أو إن شئت: الحياة كلُّها، لكني عزمتُ على أنْ أطوِّر من
خريطتي وأجعلها تبسطُ نفوذَها على عقولِ الآخرين وأحلامهم؛ لكيلا أنصدمَ إذا ما
وجدتُني واقفًا إزاء معضلةٍ في فهم الطَّريقة التي يفكِّر بها الآخرون، وقد قرَّرتُ
أن أضع بعض الخطوط العريضة؛ لكي نميزَ ما بين الشيء الذي يسعدُك من الشيء الذي لا
يسعدك في خضمِّ هاته الحياة الخائنة، الصَّديق الحقيقي هو المعينُ لك في الحياة،
وهو المخفِّفُ عنك آلامًا كثيرة جراء انصدامك بالواقع الصَّعب، وهل
يوجد صديقٌ حقيقي؟
فكرتُ
كثيرًا في هذا الأمر، فرأيتُني لم أقفْ على جوابٍ شافٍ قاطعٍ ينهي هاته المسألة
العويصة، وما تعريف الصَّديق؟ أيضًا هاته المسألة مختَلفٌ فيها، وتبقى الإجابةُ
عنها أمرًا نسبيًّا؛ فما يرضاه صديقٌ من صديقِه، قد لا يرضاه صديقٌ آخرُ من صديقِه،
وما إذًا؟ لا أدري لِمَ أجدني أتخبطُ في هذا الأمر دون أن أثوبَ إلى رشدي، وأعترف
أنَّ هناك أصدقاءَ بل وأصدقاء وفيين يفدونك بأرواحِهم ونفوسِهم وأموالِهم، وهل هذا
الصَّديق أسطوريٌّ؟ وما هي الأسطورة؟ هل هي حكاياتٌ خيالية؟ خرافية؟ حكايات لا وجود
لها في عالم اليقظة؟ وهل لك إنْ أردتَ أنْ تظفرَ بصديقٍ ينبغي لك أن تنام وتُغرِب
في النَّوم حتى يأتيَك ذاك الصَّديق في قالب "علاء الدين"؛ لكيما يلبي لك جميع
طلباتِك؟ وهل تصبو إلى أن تجعلَ من ذاك الصَّديق مطيةً تصل بها إلى مبتغاك ثمَّ لا
تلتفت إليها بعدَ ذلك؟
مَن
الصَّديق؟
سؤال
لطالما أرهقني وأمرضَني وذهب بي مذاهبَ عدة؛ فكريةً تارةً، وعاطفيةً تارة، وتوقفية
تارة أخرى، ثمَّ لا أجدُ ذاك الجوابَ المسكت عن ذاك السُّؤال
الملحِّ.
وهل
تحتاج إلى صديق؟
لا
أدري في الحقيقة، ولكن كل المسألة أنَّ الإنسان يحتاج إلى صديقٍ، وإذًا لِمَ كل هذه
التساؤلات التي تدورُ حولَ ذاك الكائن الخرافي؟ وماذا يفعل لك الصَّديق؟ هل هو
مجردُ إكسسوارٍ لك؟ أم منفعة كبيرة؟ أم فتح عظيم؟ هل هو على استعدادٍ للسَّيْر معك
في أي طريقٍ حتَّى ولو واجهتْك أوحالٌ طينية مغرِقة في الصُّعوبة؟ وهل يسمع لك
الصَّديق؟ أم تراه يسمعُ منك، أو يستمع إليك، أو يخرج عليك؟ أو يسخر منك؟ أو
يستبدُّ بك؟ أو يؤثر فيك؟ أو تتأثر به؟ هل الصَّديقُ كنزٌ أم سيفٌ من خشبٍ؟ إذًا لا
حاجةَ بنا إلى صديقٍ؛ لأننا لم نحسن بعد تعريفَ الصَّديق والوقوف على مواصفاتِه
الموافقة لمقاييسنا، أعترف أننا نريد أصدقاءَ من جنس الملائكةِ لا يخطئون ولا
يُمرضوننا، ولا يرفعون ضغطَنا ولا يخذلوننا، نعم إنَّ الصَّديق الحقيقي عملة نادرة،
فإنْ ظفرتَ بها فنعمتْ هي، وإنْ لم تظفرْ بها فدعِ المحال ولا تنفقْ عمرَك في سبيل
صديقٍ لن تجدَه، أو ربَّما ستجده ولكن بعدما يفوت
الأوان.
وهل
سيدخلُك صديقُك الجنةَ أو يدخل عنك النار؟ ألا تتذكر قولَه تعالى: ﴿
الْأَخِلَّاءُ
يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ
﴾ [الزخرف : 67]
وما
العملُ إذًا؟
جميلٌ
أن تسألَ هذا السؤال؛ لأنه يدلُّ بطريقة خفية أو لا شعورية على استسلامِك، أو إنْ
شئتَ يأسك، أو إن شئت اقتناعك، أو إن شئت إيمانك بأنَّك لن تجدَ ذاك الصَّديق
المنتظَر، إذًا اتخذْ لنفسِك أصدقاءَ "طينيين" فيهم صفةُ النَّقص والاحتياج، ولن
تجدَ غيرَهم.
وما
نصائحُك؟
ينبغي
لك أنْ تعلمَ أنَّ كلَّنا يصيبُ ويخطئُ، ينجحُ ويفشل، يرضى ويغضبُ، يوفَّق ويفشل،
فإنْ كانت هاته هي الدَّالة التي تدل على بشريتِنا، فمن باب أولى أن نعترفَ أنَّنا
لسنا كاملين، فإنْ آمنَّا بهاته الفكرةِ، هان علينا كلُّ شيء؛ إذ سننظر للحياة
نظرةً مختلفة تمامًا عن تلك النظرة التي كنا ننظرُها من قبل، سنوسِّع دائرةَ
إدراكِنا، سنفهم لماذا قام الآخرون بهذه التصرُّفات؟ لماذا غضب زيدٌ؟ ولماذا فرح
محمدٌ؟ ولماذا بكتْ هندٌ؟ ولماذا اغتبطت سلمى؟ عندها سنكون قد وسَّعْنا من
خرائطِنا، فلا نسمحُ لأيِّ أحد كائنًا مَنْ كان أن ينالَ من سعادتنا الداخلية؛
لأننا فهمنا السِّرَّ، واستوعبنا الدرْسَ؛ درسَ أنَّ النَّاس كلَّهم مجبولون على
النقص والاحتياج.
سنفهمُ
إذًا لماذا يغدرُ صديقٌ بصديقه، ولماذا يجرح صديقٌ صديقَه، ولماذا يعتب صديق على
صديقِه، ولماذا ينتقم صديقٌ من صديقِه؛ لذلك لا تُمَنِّ نفسَك بصديقٍ إذْ لا أحد
متفرغًا لكي ينفقَ وقتَه في تلبية طلباتِك، ارض من الدنيا ديدنها ودأبها، ولا
تفلسِفْ واقعيةَ حياتِك، بل إنْ شئتَ كن متفلسفًا في أفكارك وحسبُ.