بسم الله الرحمان الرحيم
سألت أباها اللذي كان يتفحص الجريدة كعادته, أبي, فرد بسهو: نعم, لما لم تحج رغم امتلاكك المال و الصحة ?فاجأه سؤال قرة عينه فتلعثم و لم يجد سوى جواب
ركيك: في الحقيقة لدي أشغال كثيرة هذه الأشهر بالذات ,و شركتي لا تستغني عني و لا ساعة ,إذ علي التوقيع و مراقبة الموظفين ,فأنت تعلمين المثل القائل:
إن غاب القط إلعب يا فأر, و ختم جوابه بضحكة صفراء .و كانت سترد عليه لولا أن أمها قاطعتها لتنقذ زوجها من قبضة يدها قائلة بحزم :جهينة ,إذهبي
لنشر الملابس فوق السطح, حسنا سأفعل ,إذهبي فورا, فأطاعتها ,و لما وصلت للسطح سمعت صوتا يلبي و يبكي فاستغربت :هل يخيل لي? ثم تكرر الصوت
فأحضرت كرسيا و صعدت عليه لتطل حيث مصدر الصوت ,ماذا تفعل هذه ?عجيب ,هل جنت ?إنها جارتها حسناء تطوف حول عمود خشبي طويل يوجد فوق
سطحها ,يبدو أنها تتخيله الكعبة, و لما طافت سبعا إنتقلت لغرفة صغيرة لها نافذة صغيرة فطلت منها كما يطل الحجاج ,و على صوت بكائها غصبا عنها .
و لحظتها بعثت جهينة رسالة قصيرة لأبيها: تعال فورا, إجري .و لما رن هاتفه ,و قرأ الرسالة فزع و هرع إليها .فوجدها تنتظره عند الباب مشيرة له بأصبعها
شْ شْ, ثم أخذته لمكان الفرجة .و كانت حسناء لاتزال تبكي في تلك النافذة ,الأب :!!!? ثم انتظرا ما ستفعل بعدها فسمعوها تقول: اه يا شهداء أحد حاربتم و قتلتم
و نلتم الشهادة لتوصلوا لنا رسالة السعادة, و ها نحن الان نقطعها, فاه ,اه. ثم سكتت و بدأت تسير نحو اليمين و هي ترفع قدميها و تمسك بأصابعها الهواء
كأنها تصعد. الأب و الإبنة بصوت خافت :ماذا تفعل?! و لم يفهماها إلا بعد أن بدأت تقول :أخبرني يا جبل عرفة في أي موضع فيك كان يجلس حبيبي محمد صلى
الله عليه و سلم, و مع اخر حرف انهمرت دموعها ملثمة وجهها ,و بدا عليها الخشوع أكثر ممن يقفون عليه فعلا. ثم دعت و أنفاسها تنقطع: اللهم أنلني زيارة
بيتك و قبر رسولك عليه الصلاة و السلام ,فأنت تعلم أنه لا مال لي. فنزلت دموع الأب دون إذنه و بصوت خافت :أبي ,أتبكي ?دعينا نكمل التفرج. فأتممت حسناء
دعاءها و مسحت دموعها ثم نزلت لتمثل كثرة ضحكاتها على جيرانها, و عدم ذكرها الرسول صلى الله عليه و سلم . و هنا التفتت جهينة :أبي العزيز, لما بكيت?
فرد بصوت خجول: لأنها أحسستني بصغر حجمي, و قلة أدبي مع الله ,و بأنني أنجبت لؤلؤة مثلك تحب مصلحتي, لهذا هل تقبلين السفر معي? إلى أين ?إلى ما
يشبه سطح حسناء,فضحكت: ههه و لكن, لكن ماذا? لمن ستترك فئرانك? فضحكا: ههههههههههه.