فوائد الميكروبات؟!!!!؟
بسم الله الرحمن الرحيم
" الميكروبات "كلمة قد تجذب انتباه الشخص العادي، ولكنها تحمل في طياتها معاني كثيرة لدى الدارسين بها، فعلي الرغم من أن الميكروبات هي أصغر مخلوقات الله الحية قاطبة، إلا إنها تنطوي على أسرار غنية بآيات الإعجاز العلمي الإلهي، والذي يتمثل في قول الله تعالى:(.. وفوق كل ذي علم عليم )[سورة يوسف]، والدارس لهذه الكائنات غير المرئية لابد من أن تنتهي دراسته إلى مزيد من الإيمان بالله والثقة به، من أن تنتهي دراسته إلى مزيد من الإيمان بالله والثقة به، قال تعالى:( .. والراسخون في العلم يقولون آمنا به..)[سورة آل عمران]، نعم.. كيف لا تؤدي دراستها إلى مزيد من الإيمان بعد أن أقسم الله بها في كتابه حيث يقول تعالى: (والنجم والشجر يسجدان)[سورة الرحمن]، فالنجم هو: كل ما أنجم من الأرض مما ينبسط عليها وليس له ساق(مثل الميكروبات)، أما الشجر فهو ما أقام على ساق. وكيف لا يرسخ إيمان العالم بخالق العوالم الميكروبية وصانعها، بعد أن حظي برؤيتها تحت المجهر(الميكروسكوب)، وآمن بوجودها، كما نؤمن بالله خالق السماوات والأرض وما بينها دون أن نراه: (فلا أقسم بما تبصرون* وما لا تبصرون)[سورة الحاقة].
ولعل أعظم مثال يوضح ما نقوله هو ما جاء على لسان أحد علماء الغرب، وهو يصنف الأشكال الميكروبية تحت المجهر (الميكروسكوب): أنظر إلى هذه الأشكال وتأمل دقة صنعتها وقمة الهندسة في خلقها.. إنني واثق أنه مهما اجتمع صناع الطبيعة ورساموها وفنانوها على أن يصمموا صورة صادقة لمحاكاة ما أراه من أشكال تفوق الوصف والخيال لفشلوا جميعاً، مما يدل على أن هناك قوة كبيرة وراء صنع الكائنات.. وهو الرب بكل تأكيد.أليس في هذا القول ما يؤكد أن هذا العالم الغربي قد عرف الله من خلال دراسته للميكروبات؟ حقا (.. إنما يخشى الله من عباده العلماء..)[سورة فاطر].
من المدهش ـ حقاً ـ أن معرفة الإنسان بالميكروب بدأت منذ أكثر من ثلاث آلاف سنة قبل الميلاد على أيدي المصريين القدماء الذين استخدموا في صناعتهم التخمرية لإنتاج الخبز والجعة(البيرة).
صورة لإحدى المستعمرات الجرثومية
وقد ظلت هذه الحقيقة غائبة حتى تم اكتشاف اللغة الصينية القديمة وفك رموزها وأسرارها. وبالرغم من هذا، فإن غير المنصفين من علماء الغرب يسمونه بعلم مجهول النسب.
لقد ظل الجهل بالميكروب حتى ظهر (أنتوني فان ليفينهوك) منذ حوالي 300سنة(1676م)، وهو مكتشف الحياة الميكروبية الحقيقية، إذ وجد المنظر قد جاء من أجلى أنا.. فمن بين كل العجائب التي رأيتها في الطبيعة.. يجب أن أؤكد أن من أعجب العجائب جمعاء ـ على الأقل بالنسبة لي ـ أنه لم يقع بصري على مشهد طبع في نفسي سروراً أكثر من هذه الآلاف العديدة لتلك المخلوقات الحية.. والعجيب أنها كلها تحيا في قطرة ماء ).
وتوضيحاً لما وصفه هذا العالم الكبير، تعالوا نتأمل كيف تعيش مئات الآلاف من الخلايا البكتيرية في قطرة ماء؟ كيف تعيش بلا مشاكل.. بلا صدام.. بل نزاع.. بلا ضجيج .. بلا شكوى.. الكل يعرف طريقه الصحيح نحو البقاء. إذاً لا بد وأن هناك قوة كبرى وراء هذا الحشد الهائل من الميكروبات التي تحيا بسلام وتتحلى بالصمت الهادئ والصبر الجميل. سبان الله الخالق البارئ المصور!! أليس هذا مثلاً رائعاً للتأمل في حياة الميكروب يؤدي إلى المزيد من الإيمان بالله:(قالوا لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم)[سورة البقرة].
ومن فضل الله على العالمين أن العلم الحديث أسهم في كشف أسرار الكثير من الميكروبات، فبعد أن كانت النظرة العامة للميكروبات قديماً تنحصر في كونها كائنات ضارة شريرة وأعداء للإنسان، وذلك بسبب عجز الإنسان عن التعامل معها وفهم طبيعتها، أصبحت النظرة الحديثة للميكروبات مختلفة تماماً.
ففي ظل التكنولوجيا الحديثة للميكروبات أصبحت هذه الكائنات مفيدة وصديقة للإنسان، بحيث أصبح الإنسان يعتمد على كثير من الميكروبات في صناعاته الدوائية والغذائية وغيرها، وأكثر من هذا، فقد أصبحت الميكروبات تمثل أدق أسرار الصناعات الحديثة لبعض الدول.
وسبحان مغير الأحوال.. فبعد أن كانت الميكروبات تمثل مصدراً للخوف والإزعاج أصبحت تمثل مصدراً للربح والثروة والتقدم والرفاهية..وبعد أن كانت في نظر الإنسان مصدراً للمرض والموت، أصبحت سلاحاً سرياً يستخدمه الإنسان في الحرب والسلام.
ويرجع ذلك إلى التغير الجذري في مفاهيم الإنسان عن الميكروب بفضل التقدم السريع في مجالات العلوم الحديثة الخاصة بالميكروبات: (.. وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً)[سورة النساء].
إن المفهوم العلمي الحديث عن الميكروب يتجلى في كلمات الراحل (بيرل مان) (1978م) وهو يصف الميكروب بأنه: (خير صديق ـ لا يكذب ابداً ـ أعظم ماكينة خلقها الله ـ خير مثال للصبر والجلد والعطاء ـ لا يؤذي الإنسان إلا إذا فشل الأخير في التعامل معه ـ يمكنه بناء أي مادة يريدها الإنسان ـ خير معلم للإنسان).
أليس في هذا الوصف ما يزيد إيماننا بقدرة الله في خلق أدنى مخلوقاته؟
فإذا علمنا أن الميكروب يساعد على وصول دورات الحياة ويخلص الإنسان من فضلاته ولآمه وجثث أحبائه.. ألا يرسخ من إيماننا وعقيدتنا بالله ؟ ألا يدل هذا على أن الله لم يخلق شيئاً عبثاً ؟ وإنما خلق كل شيء لحكمة يعلمها سبحانه:( .. قد جعل الله لكل شيء قدراً )[سورة الطارق].
يوضح لنا (أرنولد دى مين، 1979م) الدور العظيم للميكروب في مجال الصناعة الميكروبية بقوله : (إن أولئك الذين نجحوا في إجبار الميكروب للعمل في إنتاج مركبات مفيدة، من أجل رفاهية الإنسان،يحق لهم الفخر بمنجزاتهم... فمنذ فجر التاريخ استخدم الميكروب في صناعة بعض أنواع الغذاء(مثل :اللبن الزبادي، الجبن الروكفورت، الخبز، الكحول، المخللات، الخل).. وكذلك في صناعة الأمصال، والمضادات الأحيائية، والأحماض العضوية، والأحماض الأمينية، ومنظمات النمو، ومضادات الطفيليات، ومحسنات الطعم، والهرمونات الجنسية، ومعالجة مياه الصرف الصحي، وتنقية المواد الخام، وكل هذه المعلومات تدل على أننا نجحنا فقط في خدش سطح القوة الميكروبية.
والآن، وبعد أن كانت ـ وربما مازالت ـ كلمة " ميكروب" تعني الشخص الطفيلي الكسول في المجتمع، أصبحنا نرى في ظل العلم الحديث مدى النشاط الهائل للميكروب الذي يثبت براءته من هذه الصفة، حيث إنه لو سمح لخلية بكتيرية واحدة للتكاثر تحت أمثل الظروف، لغطت سطح الأرض جميعاً في ظرف 24 ساعة فقط بارتفاع 30سم.
وهنا يأتي دور التكنولوجيان الحديثة التي تسخر هذا النشاط الميكروبي إلى أعلى مراتب الإستغلال، فمع بداية القرن الحادي والعشرين، وباستخدام المعلومات الحاضرة في مجال الهندسة الوراثية، يمكن الوصول إلى قمة الصناعات في مجال الهندسة البيوكميائية خلال السنوات القادمة، مثل التحول الجذري من الصناعات الكيماوية إلى طاقة الصناعات الميكروبية، التحول الجذري في مجال الطاقة المعتمدة على البترول إلى طاقة معتمدة على الاثيانول الناتج من السليلوز باستخدام الميكروب، التخلي عن الأسمدة التخليقية باستخدام ميكروبات مثبتة للنتيروجين بالتربة، إنتاج بروتين ميكروبي ذي قيمة عالية، القضاء على التلوث الصناعي والبيئي وتهديد السموم الفطرية، اكتشاف نواتج ميكروبية نشطة ضد السرطان وارتفاع ضغط الدم والتهاب المفاصل، المقاومة البيولوجية (1)بدلاً من المبيدات الحشرية الكيماوية.. وأخيراً إنتاج مواد ميكروبية جديدة لم يسمع عنها الإنسان من قبل، ربما تؤدي إلى قيام ثورة علمية تزيد من إيماننا بقدرة الله في خلقه.
ويتضح من هذا كله وجود الكثير أمامنا لعمله من أجل رفاهية الإنسان باستخدام القوى الخارقة التي أودعها الله في الميكروب صديق الإنسان دائماً، والكائن المجدد لدورات الحياة ـ وحتى آخر الزمان.. فلا تستهزيء ـ عزيزي القارىء ـ أبداً بقوة الميكروب ـ أصغر مخلوقات الله ـ فهو دليل من أدلة إعجاز الخالق في الخلق.
المصدر: منتديات مداوي -