بحث كامل عن علوم القرأن
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد:
فعلوم القرآن الكريم من العلوم الشرعية التي فيها متسع كبير للبحث والإضافة سواء في صورة إلحاق مباحث جديدة إليها أو إعادة النظر في بعض القضايا والموضوعات المطروحة فيها بتحرير أدق ونظرة أشمل وما يجده القارئ الكريم في هذه الصفحات هي عبارة عن محاولة متواضعة لبحث مسألتين من أهم المسائل المرتبطة بعلوم القرآن والتي تحتاج إلى إعادة النظر والدراسة من جديد - حسب وجهة نظر الباحث- وهما مسألتا تعريف علوم القرآن كعلم مستقل وتصنيف موضوعاته نظرا لما يكتنفهما بعض الغموض وعدم الضبط.
ويسعى البحث لعرض المشكلة مستعرضا أقوال أهل العلم قديما وحديثا حول الموضوعين ومن ثم محاولة تقديم تعريف جديد لعلوم القرآن وتصنيف أكثر دقة واستيعابا وتنظيما لموضوعات هذا العلم الشريف وبالله التوفيق وعليه التكلان.
تعريف علـوم القران :
علوم القران مركب إضافي يتكون من مضاف وهو "علوم" ومضاف إليه وهو "القرآن". و في الاستعمال الاصطلاحي علوم القرآن صار عَلما على علم معين يشتمل على مسائل ومباحث مخصوصة تتصل بالقرآن الكريم . وقبل البدء بتعريف علوم القرآن "بالمعنى الاصطلاحي التدويني" من الأحسن أن نعرف كل جزء من هذا المركب أي "علوم" و "القرآن".
تعريف العلم :
أما "العلوم" فهي جمع علم وهو في اللغة: نقيض "الجهل"[1] وبمعنى "اليقين"[2] وهو مصدر مرادف للفهم والمعرفة ويرادف الجزم أيضا في الرأي[3] ويراد به إدراك الشيء بحقيقته أو اليقين أو هو نور يقذفه الله في القلب"[4] . وأما في الاصطلاح فقد تنوع تعريف العلم عند أهل الاختصاصات المختلفة[5]: فالفلاسفة يعرفون العلم " بأنه حصول صورة الشيء في الذهن[6]. والمتكلمون يعرفونه " بأنه صفة توجب لمحلها تمييزا لا يحتمل النقيض[7]" .
فانطباع الصورة في الذهن بأن القرآن لكريم منه ما هو مكي ومنه ما هو مدني يسمى علما. وكذلك إذا علم الإنسان أن القرآن قد نزل خلال ثلاث وعشرين سنة، هذا هو معنى قولهم: إن العلم هو حصول صورة الشيء في الذهن. و إذا كانت القضيتين المذكورتين "كون بعض القرآن نزل في مكة وبعضه نزل في المدينة ونزوله في ثلاث وعشرين سنة " راسختين ومتميزتين في الذهن غير مختلطين بغيرهما من المسائل والقضايا يمكن الجزم بهما بحيث لا يحتملان نقيضا على معنى أنه لا يقال - مثلا- أن القرآن نزل في خمسين سنة. وهذا معنى قول المتكلمين في تعريف العلم بأنه صفة توجب لمحلِّها تميزا لا يحتمل النقيض. وفي إطلاق أخر للعلم يراد به: المسائل المتحدث عنها في فرع معين من فروع المعرفة، كمسائل علم النحو مثل قولنا: الفاعل مرفوع, والمضاف إليه مجرور. ومسائل علم الفقه: كقولنا الصلاة فرض والربا حرام. ومن هذا الباب يمكن القول بأن علوم القرآن هي المسائل التي يبحث عنها تحت هذا العنوان كالقول: بأن أول ما نزل من القرآن هي الآيات الأولى من سورة العلق, وأن النسخ رفع كلام شرعي بدليل شرعي, وأن القرآن الكريم متواتر. ومن تعريفات العلم من الوجهة التدوينية كونه يطلق على المسائل المضبوطة بجهة واحدة, موضوعا وغاية.[8]
تعريف القرآن :
وأما لفظ "القرآن" من ناحية اللغة، فقد تباينت أقوال أهل العلم فيه وهي تدور حول الحيثيات الآتية:
- من حيث الهمز والتخفيف أي كونه مهموزا أو غير مهموز.
- من حيث الاشتقاق وعدمه, أي كون لفظ القرآن مشتقا من كلمة أخرى، أو كونه اسما علما مرتجلا غير مشتق من شئ آخر.
- من حيث المصدرية والوصفية, بمعنى هل لفظ القرآن مصدر أو أنه صفة.
- من حيث التعريف والتنكير أي لفظ "القرآن وقرآن" والفرق بينهما في الاستعمال.
وبالنسبة للحيثيات الثلاث الأولى يمكن القول إجمالا بأن العلماء قد اختلفوا فيه على مذهبين وقول متفرد على النحو التالي:
المذهب الأول: وهو مذهب أكثر أهل العلم، يرى أن لفظ القرآن مهموز. ولكن أقوال هذا المذهب قد تعددت بالنظر إلى تفاصيل أخرى مثل المصدرية والوصفية على النحو الآتي:
1))علماء مثل اللحياني, والجوهري, والراغب الأصفهانى، وابن الأثير يرون أن القرآن مصدر على وزن "فعلان" كالرجحان والغفران والتكلان من قرأت, سمى به المقروء من باب تسمية اسم المفعول بالمصدر, ويعنى ذلك أنه قيل للقرآن قرآنا لأنه مقروء.[9]
2))وقال الزجاج: إنه وصف على وزن فعلان مشتق من "القرء" بمعنى الجمع.[10]
3))وقال قطرب: سمى القرآن قرأنا, لأن القارئ يظهره ويبينه من فمه أخذا من قول العرب: " ما قرأت الناقة سلاَ قط" أي: ما ألقت ولا رمت بولد. ووجه التشبيه أن قارئ القرآن يلفظه ويلقيه من فمه فسمى قرآنا.[11]
المذهب الثاني: ويرى هذا المذهب أن لفظ القرآن غير مهموز, وأصحابه على ثلاثة أقوال:
1))قيل بأن لفظ القرآن مشتق من قرنت الشيء بالشيء إذا ضممت أحدهما إلى الآخر. وينسب هذا القول للإمام أبي الحسن الأشعري.[12]
2))وقيل: إنه مشتق من القرائن لأن الآيات يصدق بعضها بعضا وتتشابه. وينسب هذا القول للفراء[13], والقرطبي.[14]
3))وقال البعض: إنه مشتق من "القري" وهو الجمع، ومنه قريت الماء في الحوض, أي: جمعته. وينسب الزركشي هذا القول إلى الجوهري.[15]
ولفظ القرآن على كلا المذهبين مشتق غير مرتجل, لكن على المذهب الأول نونه زائدة وعلى الثاني أصلية.
المذهب الثالث: وأما المذهب الثالث فهو القول المتفرد، وهو للإمام الشافعي - رحمه الله- وكان رأيه أن لفظ القرآن اسم علم مرتجل غير مشتق وليس مهموزا وهو خاص بكلام الله تعالى المنزل على محمد –صلى الله عليه وسلم-, مثل لفظي التوراة والإنجيل[16]. وقد رجح السيوطي في الإتقان[17] وكذالك بعض المعاصرين من أهل العلم رأي الأمام الشافعي وهو من هو في علمه بلغة العرب ومناحي كلامهم.[18]
وسواء كان لفظ القرآن مشتقا أم مرتجلا فهو علم بالغلبة والمعاني الوصفية- على القول باشتقاقه- مراعاة لكونها معاني معقولة وواضحة.
ولعل أقوى اعتراض في هذا الصدد هو ما يوجه إلى القول المنسوب إلى القراء بكون لفظ القرآن مشتق من القرينة, إذ لا يجمع مثل قرينة على وزن فعال في التكثير؛ لأن الجموع الواردة على وزن فُعال محصورة، ليس هذا منها.[19]
وأما من حيث تعريف لفظ القرآن وتنكيره, فقد فرق كثير من العلماء بين "القرآن" معرفا و "قرآن" دون تعريف.
ويمكن خلاصة ما فيل في هذا الصدد في نقطتين:
أولا: إن اللفظ المعرف بـ "أل" لا يصدق إلا على هذا الكتاب المبارك, أما غير معرف بـ "أل" فقد يراد به القرآن الكريم كقوله تعالى: {وقرآنا فرقناه لتقرآه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا}[20]وقد يراد به غيره كقوله تعالى: {إن علينا جمعه وقرآنه, فإذا قرأناه فاتبع قرآنه}[21]فكلمة القرآن في هاتين الآيتين لا يقصد بهما القرآن الكريم بل معناه القراءة.
ثانيا: ذهب بعض أهل العلم إلى القول بأن لفظ القرآن معرفا إذا أطلق أريد به القرآن الكريم كله كقوله تعالى: {إن هذا القرآن يهدى للتي هي أقوم}[22]وقوله عز وجل: {وأوحي الي هذا القرآن لأنذركم به}[23]ولا يطلق على بعض القرآن إلا مقيدا لقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: " زوجتكها بما معك من القرآن"[24]. و قول بعض أهل العلم : "يحرم على الجنب والحائض قراءة القرآن". فالقرآن هنا يصدق على أبعاض مخصوصة. أما لفظ القرآن منكرا فيصدق على الكل والأبعاض على السواء, بمعنى أنه إذا أطلق لا يقصد به مجموع القرآن كله إلا إذا دلت القرآن على ذلك.
والخلاصة: أن لفظ القرآن معرفا يراد به مجموع القرآن، ويطلق على الأبعاض بقرائن, فإن لم يكن معرفا كان إطلاقه على الكل وعلى الأبعاض سواء[25]. ويتبين من استقراء الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة أن لفظ القرآن يطلق فيها حينا على المجموع وحينا على الأبعاض[26] ومن أمثلة ذلك:
وقوله تعالى{إنا أنزلناه في ليلة مباركة}[27]
وقوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر}وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "خيركم من تعلم القرآن وعلّمه"[28]
والراجح من الأقوال- والله أعلم- هو رأي الجمهور القائل بأن لفظ القرآن مصدر في الأصل كالغفران والشكران وهو عَلَم على هذا الكتاب الكريم من باب إطلاق المصدر على اسم المفعول. [29]
قال الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني : "أما لفظ القرآن في اللغة مصدر مرادف للقراءة ومنه قوله تعالى{إن علينا جمعه وقرآنه , فإذا قرأناه فاتبع قرآنه}ثم نقل هذا المعنى المصدري وجعل اسما للكلام المعجز المنزل على النبي-صلى الله عليه وسلم - من باب إطلاق المصدر على مفعوله. ذلك ما نختاره استنادا إلى موارد اللغة, وقوانين الاشتقاق وإليه ذهب اللحياني وأصحابه. [30]"
وقال الشيخ عبد الوهاب غزلان: "المختار في لفظ القرآن من حيث اللغة أنه مصدر لقرأ على زنة الغفران و الرجحان، فهو بمعنى القراءة. وهمزته أصلية ونونه زائدة, فإذا حذفت همزته كما في قراءة ابن كثير فإنما ذلك من باب التخفيف. وهذا الوجه من التخفيف مألوف في اللغة, ثم نقل في عرف الشارع من هذا المعنى وجعل علما على مقروء معين وهو الكتاب الكريم تسمية للمفعول بالمصدر. وهذا القول هو الجدير بالقبول لخلوه من التكلف وجريانه على أسلوب مألوف في اللغة، وهو إطلاق المصدر مرادا به اسم المفعول[31]."
هذا عن لفظ القرآن لغة, وأما تعريف القرآن الكريم في الاصطلاح الشرعي فله جانبين:
جانب يتعلق به من حيث كون القرآن صفة من صفات الله تعالى وهي" الكلام" فيذكر أئمة السنة والعقيدة والمتكلمون أوصافا وخصائص له. وجانب يتعلق بالناحية اللفظية منه، وهي التي عرّف الأصوليون القرآن من خلاله.
ويراعي في تعريف القرآن الاصطلاحي بالنظر إلى الجانب الأول الأمور الآتية:
1))أن القرآن الكريم كلام الله تعالى حقيقة, وأنه صفة ذاتية و صفة فعلية منه بدأ سبحانه وليس كلاما في النفس فقط.
2))أنه غير مخلوق.
3))أنه يرفع قبل يوم القيامة في آخر الزمان من المصاحف والصدور.
4))أن الصوت والألحان من صوت القارئ له , بينما المتلو والمقروء هو كلام الله. [32]
ولذلك قال الإمام اللالكائي: "على أن القرآن تكلم الله به على الحقيقة, وأنه أنزله على محمد –صلى الله عليه وسلم- وأمره أن يتحدى به, وأن يدعو الناس إليه. وأنه القرآن على الحقيقة, متلو في المحاريب, مكتوب في المصاحف, محفوظ في صدور الرجال, ليس بحكاية ولا عبارة عن قرآن, وهو قرآن واحد غير مخلوق وغير مجعول وغير مربوب, بل هو صفة من صفاته.[33] "
وأما علما ء الكلام فيتطرقون إلى معنى القرآن الكريم في جهتين:
الأولى: أثناء تناولهم لمبحث النبوات حين يتعرضون للمعجزات و يبينون أن القرآن الكريم هو معجزة الرسول –صلى الله عليه وسلم-. وهم من هذه الجهة متفقون مع غيرهم من العلماء في تعريف القرآن الكريم.
الثانية: وأما الجهة الثانية فأثناء بحثهم في صفات الله تعالى، ومنها صفة الكلام و القرآن كلام الله تعالى. ويرى المتكلمون أن للكلام إطلاقين: فالكلام يطلق على هذه الألفاظ التي تتحدث بها الألسنة . ومن هنا قالوا: خير الكلام ما قل ودل، وهذا إطلاق لا يختلف فيه احد. وإطلاق ثان وهو ما يحدث به الإنسان نفسه دون أن يتكلم به بلسانه. وقد ذهب علماء الكلام خاصة الأشاعرة ومن وافقهم إلى أن الكلام الذي هو صفة من صفات الله تبارك وتعالى يشمل ما أنزل الله على أنبيائه عليهم الصلاة والسلام, ومنه ما نزل على سيدنا محمد –صلى الله عليه وسلم- وهو القرآن. والقرآن غير مخلوق عندهم ولكن الحروف التي كتبت بها كلمات القرآن و الأصوات التي تنطق به أمور حادثة، وجدت بعد أن لم تكن.
ومن هنا ولأجل التوفيق بين كون القرآن الكريم قديما غير مخلوق وبين حدوث الحروف والأصوات، قالوا بأن الكلام يطلق على النفسي واللفظي, والكلام النفسي هو الصفة القديمة, وصفات الله كلها قديمة. ولما كان القرآن الكريم كلام الله ولما كان يطلق على المتكلم به و على المتكلم فقد عرفوا القرآن بتعريفين باعتبارين: بالاعتبار المصدري وهو التكلم وباعتبار المتكلم به.
وأما تعريفهم القرن بالاعتبار الأول فهو: " إنه الصفة القديم المتعلقة بالكلمات الحكمية من أول الفاتحة إلى آخر سورة الناس. وبالاعتبار الثاني- المتكلم به-: فهو " تلك الكلمات الحكمية الأزلية المرتبة في غير تعاقب, المجردة عن الحروف اللفظية والذهنية والروحية". [34]
وأما تعريف القرآن الاصطلاحي بالنظر إلى الثانية أي بالنظر إلى البحث في الجانب اللفظي, فقد عرف علماء أصول الفقه- وهم يبحثون مثل علماء الفقه في ألفاظ القرآن ودلالاتها- فقد عرفوا القرآن بالنظر إلى الجانب اللفظي دون النظر إلى الجانب العقدي بتعريفات متعددة نذكر فيما يلي بعضها:
قال الإمام الغزالي(ت505ﻫ): "وحدّ الكتاب ما نقل إلينا بين دفتي المصحف على الأحرف السبعة نقلا متواترا.[35]"
وقال ابن قدامة (ت .62ﻫ): "و أما حدّ الكتاب اصطلاحا فهو الكلام المنزل على الرسول-صلى الله عليه وسلم- المكتوب في المصاحف, المنقول إلينا نقلا متواترا"[36].
وقال الشوكاني (ت 125ه): "وأما حدّ الكتاب اصطلاحا فهو: الكلام المنزل على الرسول, المكتوب في المصاحف, المنقول إلينا نقلا متواتر". [37]
والملاحظ في هذه التعاريف أن القصد فيها تقريب معنى القرآن وبيان خصائصه. لذلك زاد بعض العلماء على أوصاف الإنزال, والكتابة في المصاحف, والنقل بالتواتر, الإعجاز[38]، أو التعبد بتلاوته[39], أو الحفظ في الصدور.
ولا مغايرة بين كون القرآن متلو بالألسنة أو مكتوبا في المصاحف، فهما تسميتان لشيء واحد. فالمطلوب كما يقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: تغاير المفهوم لا تغاير المصدوق, فإن ما يصدق عليه القرآن هو ما يصدق عليه الكتاب. [40]
ونخلص من هذه التعريفات بأن "القرآن الكريم هو كلام الله المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم المعجز المتعبد بتلاوته.[41]"
شرح التعريف :
قولنا كلام الله: خرج به كلام الإنس والجن والملائكة. وقولنا المنزل: خرج به ما استأثر الله بعلمه أو ألقاه إلى ملائكته ليعملوا به لا لينزلوه على أحد من البشر فلله عز وجل كلام أنزله إلى البشر وكلام استأثر بعلمه. والدليل على ذلك قوله تعالى: {قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا}[42] وقوله تعالى:{ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله}[43]وقولنا على محمد صلى الله عليه وسلم: خرج به كلام الله المنزل على غيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كالصحف المنزلة على إبراهيم عليه السلام, والزبور المنزل على داود عليه السلام, والتوراة المنزل على موسى عليه السلام, والإنجيل المنزل على عسي عليه السلام. وقولنا المتعبد بتلاوته: خرجت به الأحاديث القدسية.
ونريد بالمتعبد بتلاوته أمرين:
أولا: أن القرآن يقرأ في الصلاة والصلاة عبادة و هي لا تصح إلا بالقرآن لقوله صلى الله عليه وسلم : " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"[44].
ثانيا: أن ثواب تلاوة القرآن يفوق ثواب آي تلاوة أخرى. قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف"[45].
الفروق بين القرآن والحديث القدسي:
لا تقتصر الفروق بين القرآن والحديث القدسي على أن القرآن متعبد بالتلاوة دون الحديث القدسي، فالحديث القدسي هو ما يضيفه النبي –صلى الله عليه وسلم- إلى الله تعالى ولروايته صيغتان:
الأولى: أن يقول الراوي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه. والثانية: أن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى, أو يقول الله.
وذكر العلماء فروقا عدة بين القرآن والحديث القدسي, منها:
1))أن القرآن الكريم متعبد بتلاوته على الوجهين المذكورين آنفا وهما عدم صحة الصلاة إلا بتلاوة القرآن وكون ثواب تلاوة القرآن لا يعادله ثواب تلاوة شيء آخر بما فيه الحديث القدسي.
2))أن القرآن الكريم لفظه ومعناه من الله , أما الحديث القدسي فمعناه من الله اتفاقا, وأما لفظه فمختلف فيه بين العلماء.
3))أن القرآن الكريم معجز متحدى به وليس الحديث القدسي كذلك.
4))أن القرآن الكريم منقول بالتواتر فهو قطعي الثبوت بسوره وآياته وجمله ومفرداته وحروفه وسكناته وحركاته, أما الأحاديث القدسية فأغلبها أحاديث آحاد.
5))أن القرآن الكريم لا يجوز مسه إلا لطاهر وأما الحديث القدسي فلا يشترط فيه ذلك.
6))تحرم رواية القرآن الكريم بالمعنى وأما الحديث القدسي فلا تحرم روايته بالمعنى.
7))أن القرآن الكريم نزل بالوحي الجلي أي بمجيء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقظة، حيث لم ينزل شيء من القرآن على الرسول –صلى الله عليه وسلم- بالإلهام أو في المنام, أما الحديث القدسي فنزل بالوحي الجلي والخفي.
8))أن القرآن الكريم يكفر من يجحد شيئا منه، أما الحديث القدسي فلا يكفر من ينكر غير المتواتر منه .
9))يكتب القرآن الكريم برسم خاص يسمى "رسم المصحف"، وأما الحديث القدسي فليس لكتابته رسم خاص.
10))القرآن الكريم لا ينسب إلا إلى الله تعالى, أما الحديث القدسي فينسب إلى الله نسبة إنشاء، فيقال: "قال الله تعالى"، ويروي مضافا إلى الرسول –صلى الله عليه وسلم- نسبة إخبار فيقال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه".
أسماء القرآن وصفاته: وللقرآن الكريم أسماء أخرى كثيرة مثل الفرقان، والنور، والذكر وغيرها وقد ذكر الإمام الزركشي خمسة وخمسين اسما. وهناك من بالغ فأوصل أسماء القرآن إلى نيف وتسعين اسما، ولكن عند التحقيق يتبين أن ما بعض ما عدوه أسماء هي في حقيقة الأمر صفات كالحكيم والمجيد والكريم والعزيز, وذي الذكر, والبيان والتبيان والرحمة والشفاء وغيرها[46].
-أستاذ علوم القرآن والتفسير المساعد في كلية أصول الدين -الجامعة الإسلامية العالمية- إسلام آباد
[1]ابن منظور: لسان العرب مادة (علم) ج 12 ص 417.
[2]الفيومي:المصباح المنير مادة علم ص162.
[3]مناهل العرفان في علوم القرآن للزرقاني 1/17.
[4]دراسات في علوم القرآن للدكتور فهد الرومي ص16.
[5]ذكر الجرجاني عشرة تعريفات للعلم، انظر: التعريفات للجرجاني ص 199-200، ط دار الكتاب العربي بيروت 1992.
[6]إتقان البرهان في علوم القرآن، للدكتور فضل حسن عباسي 1/42، ط دار الفرقان عمان – الأردن 1997م.
[7]المرجع السابق.
[8]مناهل العرفان في علوم القرآن، للزرقاني 1/6.
[9]انظر:الإتقان في علوم القرآن 1؟144-147.
[10]انظر:الإتقان في علوم القرآن 144-147.
[11]السابق.
[12]انظر البرهان في علوم القرآن للزركشي1/374 والإتقان 1/146.
[13]الإتقان 1/146.
[14]البرهان 1/374.
[15]البرهان 1/374.
[16]انظر: مناقب الشافعي للبيهقي 1/277 وتاريخ بغداد للخطيب 2/62.
[17]انظر الإتقان 1/147.
[18]انظر: إتقان البرهان 1/442 وعلوم القرآن بين البرهان والإتقان، للدكتور حازم سعيد حيدر، ص 20 ط دار الزمان بالمدينة المنورة 1420هـ.
[19]انظر: التحرير والتنوير، لابن عاشور، (لمقدمة الثانية) 1/71.
[20]سورة الإسراء : آية 106.
[21]سورة القيامة : آية 17-18.
[22]سورة الإسراء: آية 9.
[23]سورة الأنعام: آية 19.
[24]أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن , باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه, حديث رقم (5029).
[25]انظر:إتقان البرهان 1/46-47.
[26]انظر:إتقان البرهان 1/46-48.
[27]سورة الدخان : آية 3.
[28]أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن 6/108.
[29]انظر: إتقان البرهان 1/48.
[30]مناهل العرفان في علوم القرآن 1/7.
[31]البيان في مباحث علوم القرآن للشيخ عبد الوهاب غزلان، ص 21.
[32]انظر شرح العقيدة الطحاوية 119-143, وعلوم القرآن بين البرهان والإتقان، ص 20 -21.
[33]شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة 2/330.
[34]إتقان البرهان في علوم القرآن 15-53.
[35]المستصفى 1/101.
[36]روضة الناظر60/61.
[37]إرشاد الفحول 29-30.
[38]انظر: نكت الانتصار لنقل القرآن، للباقلاني. ص 59، ط مكتبة نشأة المعارف بالإسكندرية د. ت.
[39]انظر: مناهل العرفان، للزرقاني 1/12-13.
[40]مذكرة أصول الفقه للشيخ محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي. ص 55, ط دار القلم بيروت.
[41]انظر: نكت الانتصار لنقل القرآن، ص 59 , ط مكتبة نشأة المعارف بالإسكندرية.
[42]سورة الكهف: الآية 109.
[43]سورة لقمان: الآية 27.
[44]متفق عليه, البخاري 1/184 ومسلم 1/295.
[45]أخرجه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح 5/175,وأخرجه الدرامي 2/429.
[46]انظر: إتقان البرهان 1/54.
fpe ;hlg uk ug,l hgrvHk
اقرأ المزيد عن: بحث كامل عن علوم القرأن http://www.cars2arab.com/vb/showthread.php?t=10284&s=24394e99432e6779f989d2776ae301a8#ixzz1eYe92fXw
2011