قال الإمام ابن قيم الجوزية في كتابه مدارج السالكين [ 3/199]
في
سنن أبي داود والترمذي من حديث أبي ثعلبة الخشني قال" سألت رسول الله صلى
الله عليه وسلم عن هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم
من ضل إذا اهتديتم } فقال بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا
رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة
نفسك ودع عنك العوام فإن من وراءكم أيام الصبر الصبر فيهن مثل قبض على
الجمر للعامل فيهن أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله قلت يا رسول الله صلى
الله عليه وسلم أجر خمسين منهم قال أجر خمسين منكم"
وهذا الأجر
العظيم إنما هو لغربته بين الناس والتمسك بالسنة بين ظلمات أهوائهم وآرائهم
فإذا أراد المؤمن الذي قد رزقه الله بصيرة في دينه وفقها في سنة رسوله
وفهما في كتابه وأراه ما الناس فيه من الأهواء والبدع والضلالات وتنكبهم عن
الصراط المستقيم الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فإذا
أراد أن يسلك هذا الصراط فليوطن نفسه على قدح الجهال وأهل البدع فيه
وطعنهم عليه وإزرائهم به وتنفير الناس عنه وتحذيرهم منه كما كان سلفهم من
الكفار يفعلون مع متبوعه وإمامه فأما إن دعاهم إلى ذلك وقدح فيما هم عليه
فهنالك تقوم قيامتهم ويبغون له الغوائل وينصبون له الحبائل ويجلبون عليه
بخيل كبيرهم ورجله فهو :
- غريب في دينه لفساد أديانهم
- غريب في تمسكه بالسنة لتمسكهم بالبدع
- غريب في اعتقاده لفساد عقائدهم
- غريب في صلاته لسوء صلاتهم.
- غريب في طريقه لضلال وفساد طرقهم
- غريب في نسبته لمخالفة نسبهم غريب في معاشرته لهم لأنه يعاشرهم على ما لا تهوى أنفسهمو
بالجملة فهو غريب في أمور دنياه وآخرته لا يجد من العامة مساعدا ولا معينا
فهو عالم بين جهال صاحب سنة بين أهل بدع داع إلى الله ورسوله بين دعاة إلى
الأهواء والبدع آمر بالمعروف ناه عن المنكر بين قوم المعروف لديهم منكر
والمنكر معروف.
المصدر
غربة أهل السنة (من روائع ابن القيم)