تمهيد
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
قال الله تعالى في سورة النمل 76 (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) .
وقال تعالى في سورة البقرة 39 (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) ، 40 (وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ) على محمّد (مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ) من أمر التّوحيد ونبذ الأصنام (وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ) أي ولا تستبدلوا (بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً) من متاع الدنيا (وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) 41 (وَلاَ تَلْبِسُواْ) أي ولا تخلطوا (الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ) في صفة محمّد في التوراة (وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) صدقه 42 (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ) مع المسلمين (وَآتُواْ الزَّكَاةَ) للفقراء والمحتاجين (وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ) المسلمين 43 (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ) 46 (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) في الماضي (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ) في الماضي ، أي أعطيتُكم فَضلة من المال والأولاد ، يعني زيادة على سائر النّاس 47 (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ) 48(وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ) 49(وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ) 51 (وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ) معبوداً (مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ) 52 (ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُمِ مِّن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) 55 (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ) 56 (ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) .
ما هي التّوراة
قال الله تعالى لموسى أن انحت لك لوحين من حجر لأكتب لك فيهما التوراة ، فنحت موسى لوحين من حجر فكتب الله تعالى بقلم قدرته عشر كلمات ، أي عشر وصايا ، ونزل بِهما موسى من جبل الطور إلى قومه فسمّي اللوحان بالتوراة ، أو الألواح ، وسمّي ما فيهما من كتابة بالكلمات العشر، أو الوصايا العشر، ثمّ أوحى الله تعالى إلى موسى أحكاماً أخرى من الحلال والحرام ووصايا وقصص عن الماضين وعن الأنبياء والمرسلين فكتبها قوم موسى في الرق أي جلد الغزال حيث لم يكن ورق للكتابة في ذلك الزمان . ثمّ استنسخوا من صحف إبراهيم وبعض مخطوطات الأنبياء في قصصهم مع أقوامهم فكتبوها في رق الغزال ، فسمّي هذا الكتاب بمجموعة التوراة ، وساروا على نهجه في دينهم ، ولكن لم يثبتوا على هذا الدّين وعلى ما أوصاهم الله فيه من أحكام بل غيّروا وبدّلوا بعد موت موسى نبيّهم وعصَوا أمر ربّهم ، وكان أوّل مخالفة قاموا بها أنّهم تزوّجوا نساءً مشركات ، وقد نهاهم الله تعالى في التّوراة عن الزواج بالمشركات ، وكان هذا الزّواج شرّاً عليهم إذ دعَونَ أزواجهنّ إلى عبادة الأصنام فأطاعوهنّ في ذلك وأشركوا ، ومن جملتهم الملك آخاب تزوّج إيزابل وهي امرأة مشركة تعبد الصنم المسمّى بعل أو البعليم ، فدعته إلى عبادة الصنم فأطاعها زوجها آخاب وعبده وسجد للصنم وأمر قومه بذلك فأطاعوه وعبدوا الصنم . وهكذا استمرّوا على عبادة الأصنام الملوك والرعيّة وهم خمسة عشر ملكاً من ملوك بني إسرائيل وكان آخرهم صدقيا الّذي أخذه ملك بابل أسيراً إلى بابل وفقأ عينيه ثمّ مات في سجنه في أرض بابل . فبعث الله تعالى أنبياء إلى بني إسرائيل أنذروهم عن عبادة الأصنام وعن الزواج بالمشركات فلم يسمعوا لهم ولم يعملوا بأمرهم بل كذّبوهم وآذوهم وقتلوا بعضهم ، وكان آخر الأنبياء الّذينَ أنذروهم عن عبادة الأصنام هم إشعيا وإرميا ، وحزقيال آخرهم .
ولمّا لم يسمعوا لقول الأنبياء ولم يتركوا عبادة الأصنام سلّط الله عليهم ملك بابل فقتلهم وخرّب ديارهم وهدّم مسجدهم بيت المقدس ومزّق توراتَهم وأخذ أموالهم ، وأخذ الباقين أسرى إلى بابل فبقوا فيها سبعين سنة يخدمون ملك بابل ، ولمّا مات ملك بابل نبوخذنصّر قام ابنه مكانه فأذن لهم بالرّجوع إلى فلسطين بعد تلك المدّة .
فتوراتهم الأصليّة مزّقها ملك بابل وخسروها ، أمّا الألواح الحجريّة فقد ألقاها موسى على الأرض بعنف لمّا رأى قومه يعبدون العجل الّذي صنعه لهم السّامريّ فتكسّرت الألواح ، فلم يبقَ لهم توراة ولا ألواح . أمّا التّوراة الحاليّة فقد كتبها لهم الكاهن عزرا بن سرايا فغيّر فيها وبدّل من أحكام وأخبار وقصص للأنبياء وغير ذلك . فكان بعضها سهواً منه وبعضها عمداً لأنّه شاخ وكبر ونسي بعد سبعين سنة الّتي قضاها في بابل ما كان مكتوباً في التّوراة الأصليّة .
منقول من كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن
للمرحوم محمد علي حسن