** نعيش الآن فترة دقيقة وحساسة.. وقابلة للكثير من التوقعات والاحتمالات والصدمات.. والمفاجآت..
** وفي مثل هذه الظروف فإن الدول والمجتمعات تستنفر كل طاقة فيها وتوظفها لمواجهة كافة الأخطار.. والتحديات.. ولا تسمح لها بأن تلحق الضرر بها.. أو تهز ثوابتها الأمنية والسياسية والفكرية..
** ويتم ذلك في الظروف الاستثنائية الصعبة بتلاحم سائر القوى التي يتشكل منها الوطن.. وفي أي موقع من مواقع المسؤولية المشتركة.. كي يصبح الوطن بعد ذلك أكثر تحصينا.. وجاهزية للتعامل مع المؤثرات الخارجية على الوحدة الوطنية.. والعمل على استتباب الحالة الأمنية.. واستمرار الحياة الهانئة في أرجاء الوطن.. بفضل تناسي الجميع لخلافاتهم.. أو لمسببات تفاوت رؤاهم ومواقفهم وتوجهاتهم..
** ونحن هنا في المملكة.. لسنا حالة مستثناة ولا يجب أن تكون كذلك أيضا حتى نكون أمناء وصادقين مع أنفسنا.
** ذلك أن هناك الكثير من الاجتهادات التي قد تجعلنا نبدو مختلفين على بعض قواعد الحياة أو التفكير أو الممارسة.. وذلك شيء طبيعي.. بل وصحي..
** أقول طبيعي وصحي شريطة أن يكون سقف هذا الاختلاف هو «الانتماء» الصادق.. لهذا الوطن أولا وأخيراً..
** وأنا متأكد أنه حتى من يشطون منا عن الجادة ويتصرفون بشكل خاطئ لا يخدم.. ولا يفيد.. يدركون أن هناك من قد يستفيد من بعض أوجه الاختلاف بيننا في الرؤية أو في التعامل مع أساسيات المصلحة الوطنية وموجباتها وبالتالي فإن أولئك المستغلين سوف لن يدخروا وسعا في سبيل استغلال هذه الفجوة وتعميقها.. وتوفير مبررات الضغط علينا من خلالها..
** وبدلا من أن يحقق هذا الاجتهاد أهدافا كان يمكن تحقيقها في الإطار الوطني.. فإنه يتحول إلى «مطعن» يدك بنيان الوحدة الوطنية.. ويزعزع مقومات الاستقرار.. تحقيقا لأهداف واستراتيجيات أخرى.
** لذلك أقول إن المواطنة الصادقة والحقة تتجسد في مثل هذه الظروف بصورة فعالة.. وملموسة.. عندما يُسخرُ الجميع طاقاتهم وإمكاناتهم وجهودهم ويصهرونها في بوتقة العمل المشترك.. فلا تصبح هناك دولة ومجتمع.. ولا يكون هناك مدني وعسكري.. ولا تكون هناك نخب وعامة.. ولا فئة مع .. وفئة ضد.. ويصبح الوطن هو الشغل الشاغل لهم جميعا.. يخاف عليه الجميع .. ويعملون على تأمين سلامته.. ويبتعدون به عن «التأجيج» لأي وضع قد يؤدي في النهاية إلى تفكيك لحمة أبنائه..
** هذه هي المواطنة التي أتمنى ترجمتها إلى عقد اجتماعي لا نسمح بتجاوز بنوده.. وقواعده.. بل إن علينا أن نسخر أي شكل من أشكال الاجتهاد إلى منجزات عملية من خلال تكوين «هيئة عليا للتنمية الوطنية» تشارك فيها كل الأطياف ويتم من خلالها صهر جميع الأفكار والرؤى والاجتهادات في الاتجاه الذي يمكننا جميعا مسؤولين ونخبا ومؤسسات من ترسيخ قواعد هذه الوحدة الوطنية المتميزة وتعميق جذورها.. ورسم خطوط وأبعاد مستقبلنا معا.. وداخل هذا البيت الكبير وبعيدا عن كل المؤثرات أو المخاوف.. وإغلاق جميع المنافذ المؤدية إلى تسخيرنا كأدوات ومنصات لخدمة أهداف وخطط وبرامج واستراتيجيات أخرى لا تريد لنا الخير.. ولا يمكن أن تكون أكثر حرصا منا على بلادنا وعلى بعضنا البعض.