لا تترك ما تملكه.. يملكك
أراد أن يجمع كل كنوزه أمام عينيه، فباع ما يملك واشترى بثمنه سبيكة ذهب، ثم جاء إلى مكان خفي في فناء منزله وحفر حفرة عميقة ووضعها بداخله!!
كل شهر كان يحفر ليطالع ثروته، ويجلس قبالتها قسطا من النهار، يبثها ولعه وشغفه وهواه!، ثم يهيل عليها التراب مرة ثانية خشية أن يراها أحد!!.
بيد أن القدر خبأ له مفاجأة غير سارة، فلقد شاهده أحدهم وهو يجلس مشدوها أمام الحفرة، وأيقن أن في الأمر سرا كبيرا، فانتظر ذهابه ونقّب في الأرض إلى أن وجد سبيكة الذهب فسرقها..
عاد الرجل ففُجع بالمصيبة، طار عقله، وطفق يبكي ويولول كالنساء، فأقبل جار له يستفسر منه ويسأله عن سبب بكائه وعويله، فأخبره الرجل المفجوع بالأمر.
ولأن الجار كان على عِلم ببخل الرجل وتقتيره على نفسه وأهل بيته فقد اقترح عليه اقتراحاً مثيراً..
قال له: خذ حجرا من بين تلك الحجارة الملقاة بعيدا وضعها في الحفرة، وتخيل أنها سبيكة الذهب التي ضاعت منك، وعندما نظر له الرجل مستنكرا، فسّر قوله قائلا: في جميع الأحوال أنت لن تستمتع بها ولا بقيمتها، وما دام الأمر كذلك، فأي حجر هو في قيمة تلك السبيكة!.
توضح لنا هذه القصة -على طرافتها- حجم المأساة التي يعانيها بعضنا ممن يملكون شيئا غاليا، فيملكهم هذا الشيء، ويصبحون أسراه، ويشغلون تفكيرهم وجهدهم بخدمته، بدلا من الاستمتاع به وتسخيره من أجل خدمتهم.
وكيف أن الخوف يقلب الآية تماما ويعمي العقول عن فهم حقائق الأمور، ويصل الرعب من فقد شيء ما إلى الوقوع في أسر هواه.
النبي صلى الله عليه وسلم يعطي عمقا مدهشا في المعنى الحقيقي لامتلاك الأشياء، يقول صلى الله عليه وسلم: "يَقُولُ ابن آدَمَ: مَالِي مَالِي، وَهَلْ لَكَ مِنْ مَالِكَ إِلا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أو تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ، أو لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ".
إن المعنى الحقيقي لامتلاك الأشياء يأتي من استخدام هذه الأشياء في خدمة مالكيها، وليس في المعنى العقيم لوقوعها تحت تصرفه وسيطرته.
ما قيمة كنوز لا يُعدّها عادّ وهي في خزانة مغلقة، وصاحبها يعاني من الفقر والحاجة؟!
إنني أشفق على مسكين يعيش في واقع أقل مما يستحق، ويحرم نفسه من خير يملكه!
ولقد تأملت في نفسية هذا الشخص، فوجدت أن شحه وكنزه مبعثهما في الغالب قلق من الغد، وانعدام ثقة بالله، وكره للناس!
وهؤلاء في الغالب يجعلون البيئة التي يعيشون فيها قطعة من جهنم، بتوترهم وخوفهم، وعدم توسيعهم على أهليهم، ومن يقعون تحت مسئوليتهم من زوج وذرية.
على عكس الشخصية الطبيعية الهادئة التي لا تحمل في الغالب مخاوف من الغد، وتلقي بهمومها واثقة على من بيده الأمر، وتدبر أمرها جيدا أخذاً بالأسباب، لكنها في الأخير تخلع حَوْلها وقوّتها على باب رب كريم.
منقول