قصيدة رائعة للفرزدق
السلام عليكم
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
الفرزدق ، هو الشاعر المعروف أبو فراس همّام بن غالب ، لقب بالفرزدق لغلاضة وجهه على ما قيل. كان أول من رسم النحو ، حيث تعلم ذلك من أمير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب ( عليه السَّلام ) .
للفرزدق مواقف شجاعة و جريئة لنصرة الحق ، منها ما روي ـ من عدة طرق ـ أن هشام بن عبد الملك حجَّ في أيام أبيه عبد الملك بن مروان فطاف بالكعبة المشرفة ، فلما أراد أن يستلم الحجر الأسود لم يتمكن بسبب الزحام ، و كان أهل الشام حوله ، و بينما هو كذلك إذ أقبل الامام علي بن الحسين ( عليه السَّلام ) ، فلما دنا من الحجر ليستلم تنحى عنه الناس إجلالاً له و هيبةً و احتراماً حتى استلم الحجر بسهولة و يسر ، و هشام و أصحابه ينظرون و الغيظ و الحسد قد أخذ منهم مأخذاً عظيماً .
فقال رجل من الشاميين لهشام : من هذا الذي هابه الناس هذه الهيبة ؟
فقال هشام ـ كذباً ـ : لا أعرفه .
فسمع الفرزدق ذلك ـ و كان حاضراً ـ فاندفع و قال : أنا أعرفه ، ثم أنشد قصيدته الرائعة :
القصيدة الفرزدقيّة العلويّة المشهورة:
يا سائلي أين حل الجــود والكرم*** عنـــــدي بيان إذا طـــــلابه قدموا
هذا الذي تعرف البــطحاء وطأته*** والبيـــــت يعرفه والـــحل والحرم
هذا ابن خير عــــــــباد الله كلهم*** هذا التقــــــــي النقي الطاهر العلم
هذا الذي أحــــــمد المختار والده*** صلى علـــــيه إلهي ما جرى القلم
لو يعلم الركـــن من قد جاء يلثمه*** لخر يلـــــثم منه ما وطـــــي القدم
هذا علي رســــــول الله والـــــده*** أمســـــت بنور هداه تهتدي الأمم
هـــــذا الــــذي عمه الطيار جعفر*** والمقتول حـــــمزة لـيث حبه قسم
هذا ابن سيدة النـــــسوان فـاطمة*** وابن الوصــي الذي في سيفه سقم
إذا رأته قـــــريــش قال قائـــــلها*** إلى مكارم هذا ينتـــــهي الكـــــرم
يكاد يمـــــسكه عــــــرفان راحته*** ركن الحـــــــطيم إذا ما جاء يستلم
ولـيــــــس قولك من هذا بضائره*** العرب تــــعرف من أنكرت والعجم
ينـمي إلى ذروة العز التي قصرت*** عن نـــــيلها عرب الإسلام والعجم
يــغضي حياء ويُغضى من مهابته*** فما يـــــــكلم إلا حين يبـــــتســـــم
ينجاب نور الدجى عن نور غرته*** كالشمس ينجاب عن إشراقها الظلم
بكفه خـــــيزران ريـــــحــه عبق*** من كــــف أروع في عرنـينه شمم
ما قال (لا) قـــــط إلا فـــــي تشهده*** لولا التشـــــهد كانــــت (لاؤه) نعـــم
مشتقة من رسول الله نـــــبـــعته*** طابت عناصـــــره والخــيم والشيم
حمال أثـــــقال أقوام إذا فدحـــــوا*** حلو الشـــــمائل تحــــلو عنده نعم
إن قال قال بما يهوى جميــــــعهم*** وإن تكـــــلم يومـــــا زانه الــــكلم
هذا ابن فاطمة إن كنت جــــــاهله*** بجده أنـــــبياء الله قـــــد خــــتموا
الله فــــــضله قـــــدما وشـــــرفه*** جـــــرى بذاك له فــــي لوحه القلم
من جده دان فضــــــل الأنبياء له*** وفضـــــل أمـــــــته دانت لها الأمم
عم البرية بالإحسان وانقشـــــعت*** عـــــنها العماية والإمــلاق والظلم
كلتا يديه غيـــــاث عم نفــــــعهما*** يســـــتوكفان ولا يــــعروهما عدم
سهل الخليفة لا تخـــــشى بوادره*** يزينه خصـــــلتان الحـــــلم والكرم
لا يخلف الوعد ميــــــمونا نقيبته*** رحب الفـــــناء أريـــب حين يعترم
من معشر حبهم دين وبغضـــــهم*** كفر وقــــــربهم منجى ومـــــعتصم
يستدفع السوء والبــــلوى بحبهم*** ويســـــتزاد به الإحســــــان والنعم
مقـــدم بـــــعد ذكر الله ذكـــــرهم*** في كل فرض ومختـــــوم به الـــكلم
إن عد أهل التـــــقى كانوا أئمتهم*** أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
لا يستطــــــــيع جواد بعد غايتهم*** ولا يـــــدانيهم قـــــــوم وإن كرموا
هم الغيوث إذا ما أزمـــــة أزمــت*** والأسد أسد الشرى والبأس مـحتدم
يأبى لهم أن يحل الذم ساحـــــتهم*** خـــــيم كريم وأيـــــد بالندى هضـم
لا يقبض العسر بســطا من أكفهم*** سيـــــان ذلك إن أثروا وإن عدموا
إن القـــــبائل ليست في رقابـــهم*** لأوليـــــة هـــــذا أو لـــــه نعــــــم
من يعرف الله يـــــعرف أولـية ذا*** فالدين مـــــن بـــيت هذا ناله الأمم
بيوتهم في قريــــش يستضاء بها*** في النائبات وعند الحـكم إن حكموا
فجده من قـــــريش في أرومـــتها*** محـــــمد وعلي بـــــعـــده عـــــلم
بدر له شاهد والشــــــعب من أحد*** والخندقان ويوم الفــــتح قد علموا
وخـــــيبر وحنين يشـــــــهدان له*** وفـــــي قريظة يوم صـــــيلم قتــم
قال الشيخ أبو زهرة : لقد روت كتب التاريخ والسير والأدب هذه القصيدة منسوبة إلى الفرزدق الشاعر، ولم يتشكك الرواة والمؤرخون في نسبتها اليه ، وأكثر كتب الأدب لم تثر عجاجة شك حولها .
راجع شرح قصيدة الفرزدق و تخاميسها ، للشاعر الأديب العلامة الشيخ سلطان علي الصابري الحائري .