المغتصبة عذراء
ان التمثل السائد حول صفة " عذراء " هو تلك التي حافظت على بكرتها..و بالتالي فالعذراء هي
البكر,أما غير العذراء فهي من فقدت عذريتها أو بكرتها..
و مصدر هذا التصنيف هو المجتمع,حيث جعل للبكرة رمزية أخلاقية خاصة,بل و قدسية غير قابلة للخدش
أو المس..حتى أصبحت قيمتها في ذاتها,في ثبوتها..بغض النظر عن سلوكات صاحبتها.و لازلنا نشاهد في
بعض العولم القروية بل و حتى الحضرية,احتفاء شادا في حفلات الأعراس بثبوت العذرية,و التغني و التفاخر بها
حتى أصبحت " ليلة الدخلة " شأنا عاما يترقبه كل الأهل,عوض أن تكون شأنا حميميا و خاصا.
و الجذير بالذكر هنا..أن مفهوم العذرية يتجاوز البكرة كغشاء و عضو حيوي داخل جسم المرأة,فليس كل
من فضت بكرتها غير عذراء بما تحمله الكلمة من حمولة أخلاقية,و ليس كل من حافظت على ذلك الغشاء
حتى يوم زفافها عذراء..فالتحديد الصحيح للعذراء هي تلك التي لم تسمح لرجل أن يلمسها أبدا
لكن عندما ارتبطت العذرية بالبكرة أكثر من ارتباطها بمنظومة الأخلاق,أصبح أي تواصل جنسي لا يضر يالبكرة
يستهان به,فشرف المرأة محفوظ مع عدم تهتك الغشاء,أما شرف الرجل فهو مصان في كل الحالات..و هذا
تمييز اجتماعي غير شرعي..و الحقيقة تقول ان كليهما هنا مع بكرتها هي و مع رجولته هو فقدا عذريتهما..
لكن المفاهيم السائدة هي من صنع عادات اجتماعية تحيد عن الموضوعية الأخلاقية,و تقوم على قاعدة تمجيد
الرجل و اقصاء المرأة,بما توفره من سبل كثيرة لتضييق الحصار عليها و احراجها,فوجدت في بكرتها علامة
تبيح التقاتل و الافتتان و دلالات العار و الخزي..لتكون هي الضحية الأكبر..و تقتل ملايين المرات على ممر
العصور حفاظا على الشرف و ردا للعار..متى كان هناك هتك للعرض,دون أن يتساءل القتلة هل كانت مذنبة
أم مغلوبة على أمرها..قاصرا أم راشدة..سوية أم غير سوية..بل بدون أن يتساءلوا هل لهم ذنب في ذلك..و قد
يكون لهم كل الذنب..بما عاملوها به من جفاء و قسوة و رعب أبوي..و هذا وارد في حالات كثيرة
بل ما يفطر القلوب و يدميها,عندما نرى أن حتى المغتصبة,تلك التي تعرضت لأبشع سلوك اجرامي,فذاقت مر
نازلة " الانسان ذئب لأخيه الانسان " و بدون سابق انذار وجدت نفسها كما لو أنها في غابة,فريسة تنهش بمخالب
و قرون,لا بكاؤها و لا صراخها و لا توسلها يجدي..هي الأخرى لا تنجو من تلك النظرة الدونية المبغضة لها
فتقابل بمشاعر النفور و الاقصاء..بدل احتوائها و محاولة اعادة دمجها داخل الكيان الجماعي,بعدما أصابتها
الصدمة و فقدت الأمل في الخير و الثقة في الناس..
فكيف تقتنع مجتمعاتنا أن " المغتصبة عذراء " و اذا لم تكن عذراء من الناحية الطبية و البيولوجية,فهي لعذراء
من الناحية الأخلاقية و الدينية.أو ليس كل عمل يبدأ ب " النية " شرعا..و الا فغير محسوب..أو ليس على
نية الفعل نؤاخذ..فنجازى أو نحاسب عليه..اذن,فتلك المغتصبة كانت لها نية الرفض و الاستنكار,و كانت خارج
الفعل الذي هو ذنب مرتكبه و ياله من ذنب..أما هي فبهذا القضاء ستنصر..و برفضها كانت عذراء
ان الآية الكريمة من سورة مريم تقول " و لم يمسسني بشر و لم أك بغيا " و لم تكتف بالقول " و لم يمسسني بشر "
فالعذرية تتأتى مع رفض السلوك المنحرف مع القناعة و الالتزام الأخلاقي..و بالتالي لا يمكن تأكيدها أو ابطالها
بما هو محسوس أو مادي أو بالالزام الأخلاقي..
ان أي قتل للمغتصبة أو تجريح لها أو غصبها على الزواج من مغتصبها..يتنافى مع الضمير الانساني و مع
مشاعر الرحمة و الرأفة و التضامن..يتنافى مع مقولات الفكر و الوجدان,فلا العقل و لا القلب يقبلان أن تزف
من هتك عرضها لمن هتكه...
فمن أين جاؤوا بهذا الحل و هو كالدمار ؟؟
و أي قانون هذا يسقط الجرم على المغتصب اذا ما تزوج بضحيته ليسقيها ألوانا أخرى من العذاب ؟؟
برؤية الأستاذة حياة دخيسي