همم في السماء مع بداية السباق
نحمد الله عز وجل أن بلغنا رمضان .. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُبشِّر أصحابه بقدوم هذا الضيف الكريم، قائلاً "أتاكم شهر رمضان شهر مبارك فرض الله عليكم صيامه تفتح فيه أبواب السماء وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه مردة الشياطين لله فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم " [رواه النسائي وصححه الألباني] .. فهذه نعمة لا تُقدر بثمن وتستوجب منك أن تشكر الله جل وعلا .. {.. وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ..} [القصص: 77]
ورمضان له حق عليك وإن لم توّف بحقه ستتعرض لعقوبة ما أصعبها .. الرسول صلى الله عليه وسلم قال "إن جبريل عليه السلام أتاني فقال من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فدخل النار فأبعده الله قل آمين فقلت آمين" [رواه ابن حبان وصححه الألباني] .. فيصبح مطرودًا من رحمة الله جل وعلا، لأنه ضيَّع هذه الفرصة العظيمة.
فلا تُضيِّع الفرصة هذه المرة .. الفرصة أتت لتُغفر ذنوبك جميعها إن شاء الله .. والجنة قد فتحت أبوابها والنار غلقت أبوابها .. فيا من يُقصر في صلاته .. يا من يفعل الكبائر .. يا من يخاف أن يلقى الله بالذنوب الثقيلة التي أرتكبها .. يا من تقولين لا أستطيع أن أتحجب .. يا من لاتستطيع أن تلجم نفسك عن المعاصي .. يا من يريد أن يتقرب إلى الله جل وعلا .. ها هي الفرصة قد أتت كي نُصلِّح جميعًا ما بيننا وبين الله سبحانه وتعالى .. فليكن شعارك في رمضان: سأتغيَّر هذا العام بحوّل الله وقوته ..
فمن ينوي أن يدخل السباق وياترى من منَّا سيفوز به؟!
من سيفوز بسباق رمضان له مواصفات خاصة، لابد أن تتهيأ لها من الآن .. ينبغي أن تكون همته في السماء .. لا يعرف الكسل أو العجز أو الفشل .. الصدق والإخلاص شعاره.
من هذه اللحظة لابد أن تستحضر النوايا الحسنة .. لكي تكون صادقًا ومخلصًا في طلب رضا الله عز وجل، وتطلب قربه وتعود إليه سبحانه وتعالى بعد طول بُعاد وحرمان .. وبإستحضارك لهذه المعاني ستتولد في قلبك الإرادة.
وأقبِّل على ربك وأنت منكسر ذليل خجل فقير .. اسجد لمولاك وبث إليه شكواك وأنت مُنكسر ذليل، واسأله أن يُخلصك من ذنوبك وأن يأخذ بيديك إلى طريقه .. فاللهم أعِنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
ثمَّ ندخل إلى سباق رمضان .. بنفسية التحدي وشعارك من الآن "لن يسبقني إلى الله أحد" .. سأجهد نفسي من أجله سبحانه .. سأفعل كل ما بوُسعي ليرضى عني .. قلبك ينبض قائلاً: { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى } [ طه:84]
ولكي تعلو همّتك وتُناطح السماء، عليك بالآتي:
1) اعلم أن الهمة العالية علامة المخلص الصادق .. ولو لم تكن همتك عالية، فاعلم أن هناك مشكلة في إخلاصك وصدقك .. وكلما زاد إخلاك في طلب رضا الله عز وجل، علَّت همتك وتجددت عزيمتك.
2) إحساسك بفضل الله جل وعلا عليك .. فكلما شعرت بنعمته أردت أن تشكرها .. وفي كل حين مرر على قلبك نعم الله عليك، وما مَنّ به عليك من نعمة الهداية والالتزام .. فأين شُكرها؟!
3) إحساسك بضيق الوقت .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرًا ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا يبيع دينه بعرض من الدنيا" [رواه مسلم] .. انتهز الفرصة ولا تُضيع رمضان هذا العام، وإلا ستندم أشد الندم.
4) ابتعد عن الغافلين .. قال تعالى {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ..} [الأنعام: 70] .. وطوال رمضان، ضع على قلبك شعار "مُغلق للتحسينات" .. فلا تُضيع وقتك مع أي شخص غير مُنتبه.
5) ضع أمام عينيك الثمرة .. فتُذكِر نفسك دائمًا بثمرة العتق والغفران ودخول الجنة، وإنك لن تنال كل هذه الجوائز إلا ببذل أقصى ما في وسعك من مجهود .. كان أبو سعيد القزاز يقول "من ظن أنه يصل بغير بذل المجهود فهو متمني".
6) إيمانًا وإحتســابًا .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه . ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه . ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" [متفق عليه] ..
إيمانًا: أي أن توقن وتتأكد إنك إذا صمت رمضان وقُمت لياليه بشكل صحيح، سيغفر الله تعالى لك كل ذنوبك ويمحو كل ما مضي فُيزيل الران الذي على قلبك.
وإحتســابًا: أي تحتسب الثواب لكل ما تقوم به من أعمال، وكلما احتسبت أكثر يعلو رصيدك .. لذا عليك بإحتساب هذه النوايا