فإن فراق شهر رمضان المبارك لمن أصعب الأمور على النفس المؤمنة، ولولا أن هذا الشهر يعود ويتكرر لانصدعت له قلوبهم صدعاً لا يلأم، ولكن عزاءهم أنه فراق بعد لقاء. إن شاء الله. والمهم على فراق هذا الشهر لأمرين:
الأول:
حزن على فراق تلك النفحات الربانية التي لا تتجلى إلا في هذا الشهر المبارك. مع همة جادة في الطاعة، والإقبال على المولى سبحانه بأنواع من القربات و العبادات قلما تجتمع في غيره.
الثاني:
خوف من عدم قبول تلك الأعمال التي جدوا فيها. وشمروا لها سواعدهم، يدفعه أمل في المولى الكريم أن يقبل منهم ما قدموه من قليل خدمتهم في مقابل كثير نعمه التي أنعم بها عليهم فاسمع لسان حالهم يردد:
ودعنا نقف أخي الحبيب بعض الوقفات وتحن نودع هذا الشهر المبارك عسى الله أن ينفع بها وأن يجعلها لي ولك ذخراً في صالح أعمالنا إنه سميع قريب.
الوقفة الأولى: تذكر قبل أن تودع الشهر
تذكر أخي الحبيب أن سلفنا الصالح عليهم من الله أزكى الرحمات قد جعلوا شهورهم كلها رمضان؛ فما كان دخوله يزيدهم طاعة، وما كان خروجه ينقصهم إحساناً، فهل نعقد العزم على أن نحول السنه كلها إلى رمضان؟ قل:إن شاء الله.
وتذكر أننا قد اعتدنا في هذا الشهر الكريم على الكثير من الخير، وكففنا عن كثير من الشر، ترى!! هل سنستمر على ما اعتدنا عليه من محافظة على صلاة الجماعة؟ - خصوصاً صلاة الفجر وملازمة لكتاب الله؟ فهذا الميزان لقبول الأعمال والتوبة. قال الله تعالى: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ [محمد:17]؛ فإن كنا قد اهتدينا فسيزيدنا الله هدى.
وتذكر يا من عرفت الله في رمضان أن رب رمضان هو رب رجب وشعبان. فمن كان يعبد رمضان فإن رمضان قد آذن برحيل. ومن كان يعبد الله فإن الله دائم لا يحول.
وتذكر أنك قد عاهدت ربك في هذا الشهر العظيم على التزام الطاعة. والإقلاع عن المعصية وقد قال في محكم كتابه وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ [التوبة:75-77]. وقال عز من قائل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ [الصف:3،2] فتعوذ بالله من توبة الكذابين.
وتذكر أن شهر رمضان وإن كان شهر التوبة والإقلاع فإن باب التوبة مفتوح طول العام، يقول الحق سبحانه: أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [التوبة:104]. ويقول: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [الشورى:25] فهو سبحانه كل وقت غافر للذنب، قابل للتوب. كما أنه شديد العقاب.
وتذكر أن شهر رمضان وإن كان فرصة للعبادة والتقرب إلى المولى سبحانه. فإن فرصة العبادة باقية لم تنته بعد.
ولئن ذهبت مع رمضان صلاة التراويح لكن الصلاة على الدوام صلة وشيجة بين العبد وربه لا يفنيها انقضاء شهر أو مرور دهر. ولن تسجد لله سجدة إلا رفعك بها درجة وحط عنك بها خطيئة. بلُه صلاة الليل التي هي شعار المتقين، ودأب الصالحين وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً [الإسراء:79] وهذا مطلق غير مقيد برمضان ولا غيره. ولا تفوتك السنن الرواتب. وصلاة الضحى. وركعتي الوض، وتحية المسجد....، باب خير لا ينقطع وفضل لا حد له لأهل الهمم العالية.
وإن كان الدعاء قد كثر في شهر رمضان غير أن الله يستجيب دعاء من دعاه في أي زمان وأي مكان متي استجمع شروطه. وانتفت عنه موانعه، يقول السميع العليم سبحانه: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60]. عن أبي أمامة الباهلي قال: قيل يارسول الله، أي الدعاء أسمع؟ قال: { جوف الليل الآخر وأدبار الصلوات المكتوبات } [رواه الترمذي].
والزكاة فريضة ليست مربوطة برمضان. بل مدارها على انقضاء الحول فمتى حال الحول على مال بلغ النصاب وجبت زكاته سواء كان في رمضان أو في غيره.
والصدقة قربة تطفيء الخطيئة وتنمي المال دائماً وأبداً [ ما من يوم يصبح فيه العباد إلا وملكان ينزلان يقول أحدهما اللهم أعط منفقاً خلفاً. ويقول الآخر اللهم أعط ممسكاً تلفاً } فلا تحصر صدقاتك في رمضان وتحرم نفسك من الأجر بقية العام.
ومتى كنا جادين في دعوانا يسرنا لليسرى. وفتح لنا من أبواب الخير ما لم نحسب له حساباً، حتى نكون - إن شاء الله - من الذين عناهم المولى بقوله: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ [الأحقاف:16].
الوقفة الثانية: زكاة الفطر
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: { فرض رسول الله زكاة الفطر: صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، عن كل عبد أو حر، صغير أو كبير } [رواه البخاري ومسلم].
وفي رواية للبخاري: { فرض رسول الله زكاة الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، على الحر والعبد، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة }.
وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: { فرض رسول الله زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أدها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات } [رواه أبو داود بسند حسن].
ماذا نستخلص من أحاديث زكاة الفطر:
1) أنها فرض واجب، لا خيار ولا عذر في تركها.
2) أنها تجب على المسلمين جميعاً، أغنياء وفقراء، سادة وعبيداً، ذكوراً وإناثاً، صغاراً وكباراً، إلا الحمل فإنها تستحب عنه ولا تجب، جاء في حديث عبدالله بن ثعلبة ( أما غنيكم فيزكيه الله، وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطى ) [رواه أبوداود بسند حسن].
3) أنها طعام، فلا تخرج النقود، لأنه نص على الطعام.
4) أن مقدارها صاع، والصاع كما قدر العلماء 2،25 كغم.
5) أنها تخرج من غالب قوت البلد، ففي الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله { من قمح أوسواه، أوصاع من طعام }.
6) أنها تؤدي قبل خروج الناس إلى الصلاة، ولا يجوز تأخيرها عن ذلك لأنه قال: { ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات }. وأجاز العلماء تقديمها قبل العيد بيوم أو يومين.
7) الذي يفعله بعض الناس من وضع زكواتهم أمام باب المسجد من غير أن يفوضوا أحداً بتوزيعها خطأ بين. وأخشى ألا تبرأ ذمتهم بهذا العمل، لأنه لابد أن يتولي توزيعها بنفسه. أو يوكل من يثق به في توزيعها. أما وضعها أمام المسجد والانصراف من غير توكيل فهو خطأ قد لا تبرأ به الذمة.
وما يفعله بعض الناس من إخراج زكاة الفطر إلى الجيران يوم العيد مع عدم تسليمها للفقير إلا بعد يومين أوثلاثة، إنتظاراً لمن جرت العادة إعطاءه إياها فخطأ. بل إما تذهب له بهذه الزكاة، أو تعطيها من حضر من الفقراء.
9) تتولى بعض الجمعيات والهيئات الخيرية توزيع زكاة الفطر عنك. وتقبلها في وقتها الشرعي أو قبله بقليل فلا بأس من إعطائهم الزكاة ليتولوا بمعرفتهم توزيعها بعد توكيلهم، أو إعطائهم قيمتها بالشراء والتوزيع نيابة عنك.
[center]اللهم تقبل منا رمضان وصيامة , واللهم إجعله شاهداً لنا لاشاهد علينا .
اللهم ضاعف حسناتنا في رمضان وإغفر لنا ولموتانا وموتا المسلمين .
اللهم أعد علينا رمضان أعوام عديدة ونحن نتمتع بالصحة والنعمةوالعافية وكما رزقتنا نعمتك إزرقنا شكرها
وداعا يا رمضان رزقنا الله صوم هذا الشهر الفضيل أعواما قادمة ءوصلى الله وسلم على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم .