رابعاً. سلالة التانغ (618-906 م):
يُعتبَر هذا العهد العصر الذهبي للحضارة الصينية، وهو مرحلة مثمرة جداً للتاوية بصورة خاصة؛ إذ اعتبر أفراد هذه السلالة أنفسهم منحدرين مباشرة من الحكيم التاوي لاو تسه. ظهر فيها الطبيب Sun Ssu-miao الذي بلغ 101 سنة من العمر، متجاوزاً بذلك عدداًً من الأباطرة الذين خدمهم. ألف كتاب الوصفات القيمة Chian Chin Fang الذي شرح من خلاله عدة طرق لشفاء الجسم بواسطة التشي كونغ. ركز كثيراً على العلاج بالصوت وشرح بالتفصيل طريقة "سر المقاطع الستة" Six Syllable Secret. وقد أكد عالم آخر هو Ssu-ma Cheng Chen على ضرورة التركيز على الروح الأصلية الساكنة، الواردة في نصوص لا وتسه، وأن الطريق لإنعاش الطاقة الروحية ling-chi تمر من تسكين عقل ما بعد الولادة، وبمعنى آخر تعليق التفكير. فما دام الذهن (وخاصة قشر الدماغ) يعمل بأفكار عديدة مبعثرة تبقى الروح الأصلية للوعي الأعلى نائمة؛ ولكن عندما نسكِّن الذهن نسمح للروح الأصلية بالاستيقاظ وتحويل طاقتنا الذهنية إلى وعي أساسي صرف.
حاول بعض الخيميائيين من جديد اللجوء إلى طرق خارجية للحصول على الجوهر الثمين، مما أدى إلى وفاة الإمبراطور Hsien Tsung في مقتبل العمر بعد تناوله أقراصاً تم إعدادها من معادن ثقيلة. ومنذئذٍ تم إبعاد الطرق الخارجية إلى الأبد.
ظهر في هذه الحقبة أيضا أحد الوجوه الهامة جداً للحكمة الصينية، اعتُبِر واحداً من الثمانية الأزليين في التاوية، هو Lu Tung-ping. وقد أسهب في الكتابة عن الإكسير الداخلي وأهمية الخيمياء الداخلية. يقول لو تونغ بينغ: "يتألف الجسم البشري من جوهر وطاقة وروح، وتسمى هذه بالكنوز الثلاثة، لأن الاستنارة والتلقائية تأتي منها. ولكن للأسف قلة قليلة فقط من الناس تدرك هذه الكنوز الثلاثة. يتركز الجوهر فقط من خلال الطاقة، وينضبط كلا الجوهر والطاقة فقط من خلال الروح. إنعاش الطاقة هو حفظ للروح، وحفظ الروح يتم فقط من خلال إيقاف التفكير."
خامساً. سلالات السونغ واليو وان (960- 1368 م):
استمر تطور التشي كونغ في مرحلة السونغ، ونشأت مدرسة الواقعية الكاملة في التاوية، التي كان من أهم مؤسسيها Chang Po-tuan الذي أكَّد على الخيمياء الداخلية للكنوز الثلاثة، وعلى أنها السبيل الأساسي لطول العمر والصحة الممتازة والاستنارة الروحية؛ ولكنه أكَّد أيضاً على التغذية والأعشاب والتمارين الفيزيائية، وأخذ بنهج جنسي معين من أجل دعم الإكسير الداخلي. من أهم كتبه أسرار فتح المساري و الخواص الأربعمائة للإكسير الذهبي. وكان أهم كتبه على الإطلاق كتاب فهم الحقيقة. يقول تشانغ بو توان: "عندما لا تنظر العينان، ولا تسمع الأذنان، ولا يتكلم اللسان، ولا يشم المنخران، ولا تتحرك الأطراف، عندئذٍ نقول إن الطاقات الخمسة قد عادت إلى المصدر. عندما يتحول الجوهر إلى طاقة، والطاقة إلى روح، وتذوب الروح في الفضاء، نسمي هذا بتجمع الأزهار الثلاثة على قمة الجبل."
من الشخصيات الأخرى أيضاً الطبيب Wang Wei-yi الذي عالج الإمبراطور من داء خطير ألمَّ به بواسطة التشي كونغ والتأبير acupuncture، كان نتيجته أن الإمبراطور نفسه بدأ بممارسة التأبير، وبنى مركزاً امبرطورياً للبحث والتمرين. صنع وانغ وِيْ يي دمية النحاس التي حدَّد عليها نقاط التأبير والمساري الصينية كلَّها، وهي التي ما تزال مستعملة حتى يومنا هذا
خلال حقبة السونغ الجنوبية قام المحارب الشهير Yueh Fei بتأسيس سلسلة جديدة من تمارين التشي كونغ، أشهرها ما يدعى اليوم بـ"قطع البروكار الثمانية" التي تعتبر كثيرة الاستعمال والشيوع اليوم في العالم بأكمله، ومن أكثرها فائدة وعملية لتحريض مرور الطاقة في الجسم كلِّه، مع تقوية العضلات، تمطيط الأوتار وتليين المفاصل.
خلال عهد سلالة يو وان المنغولية ظهر المعلِّم الكبير Chang San-feng، مؤسس نمط من التشي كونغ الحركي المسيري، الذي يُعتبَر بحق أكثر الطرق استعمالاً وشيوعاً في العالم أجمع، ألا وهو الـ Tai Chi Chuan. يقول تشانغ سان فِنغ: "يقال إنه عندما تزفر، تلامس السماء وتشعر بالانفتاح، وعندما تشهق تلامس الأرض وتشعر بالثبات. يرتبط الزفير بليونة التنين، ويرتبط الشهيق بقوة النمر. من المهم جداً ألا يتغير مركز انتباهك وتركيزك وأنت تنتقل بين الشهيق والزفير، بين الحركة والسكون. اضبط التنفس حتى تصل لحالة التنفس دون تنفس، أي تصير واحداً مع التنفس، وعندها يمكن للروح أن تتركز وللإكسير الداخلي أن يتكَّون."