كيف يُعاقب الطالب المشاكس؟
من المؤكد أن العقاب طريقة من طرائق الرقابة السلوكية، ومن أهم أساليبه أسلوب التعزيز الإيجابي الذي يستخدم كمثير لتعديل السلوك المنحرف، فكما أننا نكافأ على تحقيق النجاح في طفولتنا، فكذلك نتلقى العقاب مقابل فشلنا، والعقاب ذو مدى متدرج القسوة، والعقاب الجسدي في المدارس ظاهرة لا تنفرد بها الدول العربية وحدها، بل يشكو منها تلاميذ أوروبا، وتنبه القائمون على التربية هنالك ومنذ زمن بعيد لخطورة العقاب الجسدي والآثار النفسية التي تترتب عليه، وكانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قد أصدرت مؤخرًا قرارًا يقضي بمنع العقاب البدني في المدارس الأوروبية والاستعاضة عنه بأساليب تربوية أخرى.
المعلم في كثير من الدول الأوروبية وأمريكا أيضًا بين موقفين أحلاهما مر, فهو محاصر بالقانون الذي يمنع العقاب الجسدي منعًا باتًا، من جهة، وبالطلبة المشاكسين والعدوانيين وغير المؤدبين من جهة أخرى، وهذا لا يعني أن الطالب يعيش في نعيم اسمه المدرسة فهو عرضة أيضًا لمشاكل عديدة مع المعلم الذي قد يكون في بعض الأحيان عنصريًا أو عصبيًا أو يعاني هو نفسه من مشاكل حياتية أو نفسية قد يعكسها أحيانًا على طلابه، السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف يعاقب الطالب المشاكس أو المخالف أو سيئ السلوك في تلك المدارس ما دام الضرب ممنوعًا؟ والجواب هو في البدائل التي تتفنن المدرسة في إيجادها وتطويرها للحصول على أكبر تأثير في ردع التلاميذ وأهمها:
- عقوبة احتجاز الطالب لساعات متفاوتة بعد نهاية الدوام وحرمانه من العودة إلى البيت أسوة ببقية الطلاب.
- حرمانه من الرحلات المدرسية والأنشطة اللاصفية.
- حرمانه من المباريات الرياضية.
- توبيخه وتعنيفه بالكلام.
إدخاله في نظام (التقرير) الذي يكون أصفر أو أحمر حسب الحالة وفي هذا النظام يكون على الطالب جمع تواقيع كل المعلمين كي يشهدوا بأن سلوكه قد بدأ يتحسن يوما بعد يوم.
اعتمادًا على استطلاع خاص بخزانة الدولة لسنة 2005م أجرته وزارة التعليم والثقافة اليابانية فإن طلاب المدارس اليابانية يزدادون عدوانية, حيث تم رصد أكثر من 2000 تصرف عدواني من قبل الطلاب, وقفز معدل الاعتداء الهجومي على أساتذة المراحل الابتدائية إلى 30%, وفي تايوان ازداد ضرب المعلمين لطلابهم مما دعى الحزب التقدمي الديمقراطي الحاكم عام 2005م لطرح مشروع إدخال تعديل على القانون الأساسي للتعليم يقضي بإجبار المعلمين على التوقف عن ضرب التلاميذ, وفي كينيا أيضًا تنظر السلطات في قضايا كثيرة من هذا النوع, وبناء على تقرير مراقبة حقوق الإنسان, فإن العنف جزء معتاد لمعالجة ضعف الأداء أو للمحافظة على الانضباط في الصف, وكأن العصا هي الأداة والوسيلة الوحيدة لتقويم الطالب.
والآراء متفاوتة بالنسبة للمعلمين والمعلمات فيما يخص عقوبة الضرب ولكن الغالبية تؤيد الضرب التأديبي بعد استنفاد كل الأساليب الأخرى الممكنة كآخر خيار, لأن المعلم مطالب بضبط الصف حتى يستطيع أن يستغل أكبر وقت ممكن من الحصة فبدون تخويف بمرحلة معينة لن نستطيع أن ندرّس شيئًا.
كما يرى بعض الباحثين أن الدعوة إلى إلغاء عقوبة الضرب في المدارس وإلغاء ذلك فعليًا قد أثر على العملية التعليمية تأثيرًا سلبيًا؛ لأن كثيرًا من الطلاب لا يستقيم حالهم، ولا يصلح أمرهم إلا بالعقوبة أو الخوف منها وهذا أمرٌ طبيعي في الإنسان رغم كل ما يدعيه دعاة إلغاء الضرب من مبررات لإلغائه وإن حصول بعض التجاوزات من بعض المعلمين بضرب الطالب ضربًا مبرحًا قد ينتج عنه ضرر لا يعني إلغاء الضرب نهائيًا.
بينما يرى الدكتور ألفن فروم أن سياسة ضرب الطفل انهزامية، لأنه:
- يجعل الطفل يخاف من ضاربه ويكرهه.
- يعلم الطفل الطاعة العمياء بدلا من المناقشة والفهم والتقبل عن اقتناع.
- إن التعبير عن المزاج الانفعالي في أثناء الضرب يعطي الطفل أنموذجًا سيئًا للاقتداء به.
- الضرب القاسي هو أدنى الأساليب التربوية مهارة وأصالة.
- وجد في بعض الأحيان أن الضرب يزيد الطفل عنادًا وبذلك يثبت السلوك الذي نسعى إلى تغييره.
- إن هدف التربية هو تصحيح الأفكار و السمو بالرغبات لينشأ عنها سلوك مستقيم لا تعديل السلوك ظاهريًا فقط.
وعلى الرغم من منع الضرب للطلاب في المدارس إلا أننا ما زلنا نسمع ونشاهد ممارسات لا مسؤولة ضد الطلاب داخل أسوار المدارس, ونقرأ في الصحف من يكتب مدافعًا ومشجعًا لعودة الضرب في المدرسة. والحقيقة أن الدراسات النفسية أثبتت أن الثواب أقوى وأبقى أثرًا من العقاب في عملية التعليم وأن الضرب يترك أثرًا على جسم الطفل ونفسيته بل ورغبته في الدراسة والتعلم.والتعليم بالإكراه لا يمس صميم السلوك بل القشرة الخارجية منه ويبقى اللب يتأثر بالإقناع والحوار.
مجلة المعرفة