تكن كالحديقة وليس كالصحراء
بَعض الناس يشبِهون الصَحراء بِوحشَتِها و شِدّة قبضِها
و بردِهَـا القارِس و عطشِها و جوعِها و فرَاغِها
لكنَّ بعضَهُم الآخَـر يشبِهون الحدائِقَ الغنّاء
بثَمرِها و وفرَةِ مائِها وجَمالِها ودِفء حضورِها ..
منْ هُم كالصحرَاء يحولُونَ أيَامَك الى عَالمٍ موحِش تملؤهُ
كوابيسُ النَهمِ الذي لا يشبع .. و يَسعى دائِماً لأنْ يُفرِغَ وجودَكَ
من إنسَانيتِه ، تسعَى معَهُم نحوَ دِفء المُشاركةِ الوجدانيَة فلا تجِد
سِوى برودَة الملامِح والمَشاعِر وقَسوةِ الكلامْ ، تحاولُ أن تصِلَ معَهُم
الى لحظَةِ صدقِ إنسانيَة فتكتَشِف بأنّك تَسعى نحوَ السَرابْ ، مع هؤلاء
تَصطدم بِواقعٍ مؤلِم مفَادُه أنّك لستَ سوى شيءٍ في حَياتِهم يُمكِنُهم أنْ
يدوسونَهُ حتى المَوت ليُلقوا بكَ في سلّة مُهمَلاتِهم .
شتّانَ ما بينَ هؤلاءِ القاحِلين وما بينَ منْ يَشبِهون
الحديقَة الغنَاء ، فهُم يُشعِرونَك بأنّكَ في حيّاتِهم أصبَحت كلّ شيء ..
يَملأونَ حياتَك بالدفء لصدقِ مَشاعِرهم و عُمقِ عطاءِهم ، كلمَاتُهم تفِيضُ
عذوبَة ، يحيطُونَكَ بمودّة تُشعرُكَ بِأنَّك غالٍ ، بَل أنتَ أثمَنُ ما في الوجُود ..
مع هؤلاء يَتمتّعُ المرء بِدفء الأمومَة وحنَانِ الأبوّة وعُمقِ الأخوة
وصدقِ الصديق .
كَم مِن أنَاس مروا بِحياتِنا و تَركُوا بصمَاتِهم في النّفس
فكانَ أثَرُهم كالنَقشِ في جذوعٍ الشَجر يدوم ويدوم في
حَديقَة العُمر ، بعكسِ أولئِكَ الذينَ ينثرونَ غُبارَ أقدامِهم
على رِمال الصحرَاء التي أوشَكوا أنْ يدفِنوكَ تحتَها ، إيّاكَ أن
تسمَح للصحرَاء أنُ تخنِقَك برملِها أو أن تُميتَكَ عطشاً
قَاوم بكلِّ مَا استَطعتَ وابحثْ عن سبيلٍ للخروجِ من طُغيانِ الجَدبِ
والجَفاف .. ابحَثْ عن ملاذِكَ الآمِن حيثُ الثمرِ والمَاء العذب
والنَسمة اللطيفَة التي تُعيدُ إليك ثقَتكَ بروعَةِ الحيَاة وجمالِها .
ولكِنُ إنْ لَم يكُن بإمكانِكَ الهروب من بَردِ الصحرَاء أو مِن
شدّة حرِّها و جَفافِها لأنّك ترزح تحتَ تأثِير نيرِ ظرفٍ ما .. فاختَر
أهونَ الشُرور وهوَ أنْ لا تحرِم روحَك من التحليقِ نحوَ الأملِ
برحمَةِ خالِق يهدي السَكينَة للنفوس ويَحميهَا من الغدرِ وفي ذاتِ
الوقتِ اسعَ لأن تكونَ ممن يغمُرونَ الأرواحَ بدفء مشاعِرهم
وحُسنِ معشرِهم ورفقتِهم ، فالحيَاةُ تحلو بِرفقةِ العامِرينَ بالمَشاعِر
الصادقَة غيرِ المُزيفَة ، فيضيءُ الوجود بوجودِ
صديقٍ يُشعِركَ بأنَّ وجودَك نِعمَة ويمنَحُه السَعادة والفرَح .
وابتعِد ما استّطعت عمّن تسكُنهم الصَحراء
القاتِلة .. التي أماتت كلَّ المشاعِر الجميلة في داخلِهم فبَقاؤكَ
بقربِ هؤلاء يحيلُ حياتَكَ الى جحيمٍ من جليدٍ قارس البرودة يكادُ
أن يجمِّد الدمَ في عروقِك .
صحيحُ أنَّ الطِباع البَشريّة ليست ملكُ أيدينا ، لكن لن
يصعُبَ علينَا أن نُميّزَ بين الخيرِ والشر .. لذلك فلنَمنَح أنفُسنا
المُهلة الكافيَة لنَختارَ من سيكونُونَ رفقاءَ الدربِ من
شُركَاء وأصدقاء وإلا سنجرُّ أذيالَ الخيبَةِ وراءَنا طوالَ العُمر مِن
جراءِ سوءِ الإختيَار ، حرامٌ علينا أن نستسلِمَ للظُلمِ وبرودةِ المشاعِر
والزيفِ والكذِب ، حرامٌ أن تستمرَ في العطاءِ لمَن يتمنونَ
لو أنّهم يدفنونكَ حيّاً .
ومع دورةِ الأيَام يدورُ سؤال : إذا وقعَ المرءُ ضحيَّة اخطبوطٍ
يعتصِرُ أجملَ أيامِنا فهل نرضى بدورِ الضحيّة ليتمتَعَ الجاني
بلذّةِ الإنتصَار الخبيث ؟! هل نستمِرُ في تصدِيق من كشفنَا كذبهُم