كان هناك ذات مرة ارملة تعيش مع ابنتها الوحيدة أنيتا ، وكانتا تعيشان حياة بائسة في كوخ نصف مهدم يقع خارج القرية . ولم تكن تملكان من الاشياء الثمينة غير جرة بيضاء اللون عليها زخارف جميلة . في كل يوم كانت أنيتا تحمل الجرة الى الينبوع القريب لتجلب الماء ، وتمشي في الطريق سعيدة وعلى شفتيها أغنية جميلة .ذات يوم قالت الام لابنتها : يا عزيزتي أنيتا ليس لدينا الآن ما نأكله ، وعلينا ان نبيع هذه الجرة حتى نشترى قوتنا بكت أنيتا بحرقة كبيرة ، ذلك بانها لم تكن تحب ان تفارق جرتها البيضاء المزخرفة ، ومن الغد كان عليها ان تذهب الى المدينة لبيعها وشراء ما يسد رمقها ورمق امها لبعض الوقت .
سارت أنيتا في ذلك الطريق نفسه الذي تسلكه كل يوم لجلب الماء ، واجتازت في البداية غابة الصنوبر ، ثم حقلا تزينه ازهار مختلفة الانواع والالوان وكانت الطيور تطلق في الفضاء اغاني جميلة ، وفوق العشب كانت قطرات الندى تلمع كما تلمع قطع الفضه وحين وصلت الى شجرة الزيزفون حيث يوجد الينبوع ، رغبت ان تملأ جرتها لآخر مرة وبينما هي تتأهب للقيام بذلك فو جئت باختفاء الماء ولم تعدى ترى امامها غير جرة كان يستريح عليها ضفدع بشع .
من شدة فزعها اطلقت أنيتا صرخة هائلة والقت الجرة على الارض فتحطمت في الحين وتناثرت من حولها قطعا قطعا ... وبينما هي تبكي حظها العاثر ، سمعت الضفدع يتكلم كالانسان ويقول لها : لماذا تبكين يا أنيتا الجميلة ؟ فاجابت أنيتا ودموعها على خديها : وكيف لا أبكي ... بعد أن كسرت جرتنا الجميلة وهي أعز وأثمن ما نملك أنا وأمي .. وقد كنت ذاهبة للمدينة لأبيعها واشتري بثمنها قوتنا . قال الضفدع :
كفي عن البكاء ، ثم اضاف بعد مدة من الصمت : اذا ما انت رضيت بي زوجا لك فأني ساهبك جرة أجمل من هذه التي تكسرت الآن .. يكفي ان تقولي " ايها الضفدع ، يا زوجي الطيب ، فكر في الآن " ثم تطلبين ما تريدين ، فتلبي الجرة السحرية طلبك في الحال .
وعدت أنيتا الجميلة الضفدع بالزواج ، ومن دون أن تنتظر ، أمسكت بالجرة التي مدها إليها الضفدع ، وجرت الى البيت لكي تريها لأمها ، وبينما هي تجري مبتعدة ، سمعت الضفدع يصيح : انتظرني يا أنيتا ، سآتي للبحث عنك .
حالما وصلت الى البيت ، روت لامها ما حدث لها ، ولم تصدق الام ان الجرة التي أتت بها ابنتها بالفعل جرة سحرية ، عندئذ اخرجت أنيتا الجرة أمام باب الكوخ ، وبعد أن وضعتها فوق صخرة كبيرة ، داعبتها بلطف وهي تقول : ايها الضفدع يا زوجي الطيب فكر في الآن !وقبل ان ترتفع الشمس أرغب في أن يلبى طلبي ، فلتتحول هذه الصخرة ألى ذهب ! وبعد أن انتهت من التعبير عن رغبتها ، نظرت أنيتا ، فرأت أن الصخرة ظلت صخرة رمادية ولم يطرأ عليها أي تغيير . عندئذ ، قالت الام :
ها انت تكتشفين وحدك يا ابنتي إن ما تقولينه هراء في هراء ..... بعد ذلك ذهبتا لتناما .
وفي الصباح ، وعندما سقطت أشعة الشمس أمام العتبة اندهشت الام لما رأت الصخرة تلمع في ضوء النهار الطالع ، وقد تحولت الى كتلة من الذهب الخالص ! وبينما هي في دهشتها لا تدري ما تقول ، التحقت بها أنيتا وراحت تطلق صيحات الفرح : ها أنت ترين يا أماه إني لم أختلق خرافة ، وان الضفدع لم يكذب .... سوف نكون أغنياء الآن ، وعلينا أن نترك هذا الكوخ البائس ، ونسكن بيتا أنيقا جميلا يليق بمقامنا .
طول نهار ذلك اليوم كانت أنيتا تفكر فيما تفكر فيما ستطلبه عند حلول المساء ، وعندما بدأت الشمس تغيب ، داعبت أنيتا الجرة السحرية وقالت : أيها الضفدع يا زوجي الطيب فكر في الآن ، قبل أن تبزغ الشمس أرغب في ان تلبي طلبي ، وتحول هذا الكوخ البائس الى بيت جميل ...... وحال نهوضها في صباح الغد ، أندهشت ألام وأنيتا لما رأتا أن الكوخ البائس البسيط قد تحول إلى بيت جميل .... وحال نهوضها في صباح الغد ، أندهشت الام وأنيتا لما رأتا أن الكوخ البائس البسيط قد تحول إلى بيت جميل .
مؤثث تأثيثا جيدا ، وحوله إسطبلات بها خيول وحيوانات كثيرة ودجاج وحمام ..عاشت الام والبنت بعد ذلك مدة من الزمن وهما في أرغد حال ، لكن وعلى الرغم من ذلك ، كانت أنيتا تفكر دائما في طلبات جديدة ، وكانت أمها تحاول دائما إقناعها بأنه ليس من الضروري أن تطلب أشياء جديدة ، ذلك إنهما حصلتا على ما تبغيانها وزيادة ...وذات يوم ، وقفت أنيتا أمام جرتها السحرية وبعد أن داعبتها ، قالت : أيها الضفدع ، يا زوجي الطيب فكر في الآن ، قبل أن تبزغ الشمس أرغب في أن يلبى طلبي ، فيتحول هذا البيت الى قصر ولاصبح أنا أميرة تحكم هذا البلاد !
وكانت الجرة بالفعل سحرية ، ولذا فإن الام والبنت لما استيقظتا في الصباح ، وجدتا نفسيهما في قصر من تلك القصور التي لا يسكنها إلا الأمراء والملوك ، وقبل أن تفيقا من دهشتهما دخلت خادمة وانحنت أمام أنيتا ثم قالت : صباح الخير أيتها الأميرة العزيزة ، ثم تقدمت أنيتا من النافذة وأطلت منها على حديقة غناء فيها جنودا وخدما سرعان ما أنحنوا إجلالا لها .
أمام ذلك البذخ ، أحست الام بالضيق وشعرت ان كل ما حققته الجرة السحرية من عجائب يزعج نفسها ، ويثقل صدرها ويلقي بها في متاهة الوسواس والمخاوف ، ولم حاولت إعلام أنيتا بما تحس ، أسكتتها هذه بأشارة من تلك الاشارات الحازمة التي لا تقوم بها إلا الاميرات ... وبعد مرور أيام قليلة ، راحت أنيتا تنظم حفلات ضخمة وتدعوا إليها وجهاء الناس من الرجال والنساء ، متناسية المصدر الحقيقي لثروتها .
ذات ليلة نظمت حفلة عظيمة أضيت فيها الانوار وارتفعت الموسيقى في جميع ارجاء القصر ، ورقص الراقصون وغنى المغنون ، وحالما جلس المدعون الى مائدة الطعام ، سمعت أنيتا طرقا على الباب ، ثم صوتا يقول : أنيتا ايتها الجميلة الا تذكرين ما انت وعدتني به .. ها قد جئت ، فلنتزوج الان !
ما ان سمعت أنيتا ذلك حتى شحبت وتجمدت الدماء في عروقها " ها قد عاد الضفدع البشع " قالت في سرها ، ثم هرعت الى امها وأعلمتها انها لن تفتح الباب حتى ولو حدثت كارثة ، غير أن أمها ، وهي العاقلة الرصينة ، قالت لها :
وكيف تطردين من أنعم عليك بكل هذه النعمة !؟ عندئذ فتحت أنيتا الباب ، وفي الحال اندفع الضفدع البشع الى القاعة الكبيرة ، ولما رآه المدعون تسمروا في مكانهم من شدة الدهشة ، ولم يسمع في القصر كله غير صوت حركة الضفدع وهو ينط فوق أرضية القاعة الكبيرة ، وبعد ذلك وقف الى جانب أنيتا وصاح بصوت منزعج :
أنيتا يا عزيزتي ويا جميلتي هل تتذكرين ما وعدتني به ؟ لقد وعدتني بالزواج وها أنت دعوت وجهاء القوم وأعددت حفلا زاهيا وأكلا لذيذا .. أنا جائع ، وأريد أن أكل ! ولم ينتظر الضفدع جوابها ، وقفز الى مائدة الأكل ، وراح يلتهم ما عليها من المأكولات بشراهة لا تضاهيها شراهة .
رأت أنيتا تلك الحال فأحست بالاشمئزاز وبالألم يعصرها عصرا ، غير أن امها قالت لها : لا تنسي يا أبنتي إنه ولي نعمتك ، وان كل هؤلاء الوجهاء لم يكونوا يعيرونك اهتماما عندما كنا فقراء ، عندئذ اقتربت أنيتا من الضفدع وشاركته الأكل ، وبعد ان انتهيا من ذلك قال الضفدع :
أنيتا يا عزيزتي ويا جميلتي هل تتذكرين ما انت وعدتني به ؟ لقد وعدتني بالزواج خذيني الآن الى غرفتك !
أحست أنيتا مرة أخرى بالاشمئزاز واعتراها خوف رهيب ، ولما لاحظت الام ذلك اقتربت منها وهمست في أذنها : تذكري كل النعم التي وهبها لك ، الذهب والبيت والقصر والجاه ! ومن جديد انصاعت أنيتا لنصيحة أمها ، وعلى مضض حملت الضفدع البشع الى غرفتها ، غير أنها لم تحتمل النوم الى جانبه ، وفي الحال أمسكت به وألقته من النافذة وهي في حالة من الغضب الشديد .
في أقل من رمشة عين ، أظلمت الدنيا وأرعد الرعد وبرق البرق ، وأنفجرت عاصفة عنيفة هزت الدنيا هزا لا مثيل له من هول ما حدث ، اغمضت أنيتا عينيها ولم فتحتهما وجدت نفسها الى جانب أمها في الكوخ البائس ... في الحال أنفجرت باكية ، فقالت لها أمها محاولة مواسا تها : كفي عن البكاء يا عزيزتي .. فالبكاء لم يعد مجديا الآن ، لقد دفعك كبريائك الى نكران من أنعم عليك ومنحك كل ما طلبته منه ، وعلى كل حال نحن فقراء ، وعلينا أن نأنس الى فقرنا ، والى كوخنا البائس وأثاثنا البسيط .
استمرت حياة البنت والأم كما كانت من قبل بسيطة ورتيبة ، وبعد اشهر أطل الجوع بوجهه القبيح من جديد ، فقالت الأم لابنتها : خذي الجرة التي وهبها لك الضفدع الى المدينة وبيعيها واشتري بثمنها قوتا لنا ... أطاعت أنيتا أمها وحملت الجرة وتوجهت الى المدينة ، وحالما وصلت بالقرب من الينبوع جلست لتستريح ولتشرب قليلا من الماء ، وبعد أن فعلت ذلك مدت ساقيها في الينبوع ونظرت طويلا في الماء ثم قالت :
أيها الينبوع الصافي ، أنت لا تعرف كم أنا بائسة الآن ، فبكبريائي حطمت سعادتي ... ما الذي فعله لي ضفدعك الجميل حتى أعامله تلك المعاملة القاسية وانكر عليه نعمته علي .. لقد كان يحبني حقا أما أنا فقد كنت قاسية القلب سيئة الخلق ..قل لي ايها الينبوع ماذا تراني افعل الآن ، ولقد أصبحت احب الضفدع الصغير والجميل وانا عازمة على الزواج منه ، والاخلاص له ، ثم انحنت لتشرب قليلا من الماء فسقطت من عينيها دمعتان ، وفي تلك اللحظة ذاتها اختفى الماء نهائيا ، وبرز أمير جميل راح يتأمل أنيتا باعجاب ، ولكن أنيتا صرخت من هول المفأجاة ، وألقت الجرة على الارض فتكسرت وتناثرت حولها قطعا ، ابتسم الامير ابتسامة جميلة واقترب من أنيتا وقال لها :
لا تخافي يا أنيتا الجميلة ولا تهربي مني ، ان الضفدع البشع الذي ألقيته من النافذة هو أنا ، ولكي لا أطيل عليك أقول لك ان ساحرا خبيثا وشريرا هو الذي جعلني على تلك الصورة ، وكنت أعرف أن حبي لفتاة مثلك هو الذي سينقذني ويعيدني الى صورتي الاصلية ، ولا أخفي عليك إني أحببتك وها انا أمامك فهل تقبليني زوجا لك ؟
بدون تردد مدت أنيتا يدها اليه ومعا عادا الى الكوخ البائس ، وبعد ذلك بأيام سافر الامير الجميل مع عروسه أنيتا وأمها الى مملكته البعيدة ، وحال وصولهم ، أقيمت الاحتفالات ... وعاش الناس أياما وليالي من المرح والسعادة ، لم يعرفوا مثيلا لها في حياتهم.