السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
بعد تهجّد ليلة من ليالي العشر الأواخر من رمضان وصلاة الفجر حدّثنا إمامُ مسجدنا قائلاً:
نسأل الله أن يجعلَ سَهَرَ هذه الليلة في طاعته سبيلاً لمغفرة سهر ليال كثيرة في معصيته.
ثم قال حفظه الله: إن لذة المعصية منغَّصةٌ مسروقةٌ، في حين أن لذة الطاعة غيرُ منغَّصة ولا مسروقة وإنما تسرُّ صاحبَها والناظرَ إليه، و تشرح الصدر ولا تخشى الظهور.
وقال جزاه الله خيراً: لذة المعصية يذكرها الإنسان فيحزن ويندم، في حين أن لذة الطاعة يذكرها الإنسان فيفرح ويحمد الله على تيسيرها.
ثم ختم بقوله: المعصية حين يأتيها الإنسان تُكتب معصية، في حين أن الطاعة يُخشى أن لا تُكتب طاعة إذا شابها رياء ولم يتحقق فيها الإخلاص.
قُلتُ: ورحمة الله واسعة! فالله برحمته وعلمه بضعف الإنسان وخفّته إلى المعصية وتثاقله عن الطاعة جعل السيئة بمثلها والحسنة بعشر أمثالها ويزيد، فالمحروم من غلبت آحادُهُ عشراته!
ومن رحمة الله أيضاً أن السيئات لا تبقى، وإنما تمحوها التوبة والاستغفار وتذهبُها الحسنات، بل إن الله بكرمه ورحمته يبدل السيئات حسنات حين تأتي التوبة ومعها الإيمان والعمل الصالح.
(وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) [هود: 114]
(إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً) [الفرقان: 70]
ثم تذكّرتُ قولاً قيّماً للإمام ابن القيّم رحمه الله نقله الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله، بتصرّف يسير وجميل، في تعليقاته على رسالة المسترشدين للحارث المحاسبي رحمه الله، أُثبتُهُ هنا بطوله للفائدة المرجوّة إن شاء الله:
كتب الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله: (واستوفى الشيخ ابن القيم في كتابه "الفوائد" وكتابه "الجواب الكافي" بيانَ أضرار الذنوب والمعاصي استيفاءاً جامعاً، وقابل بين آثار فعل الذنوب وآثار تركها مقابلةً صادقةً دقيقة، تدفع بكلّ ذي لبّ وعقل إلى ترك الذنوب والبعد عن أسبابها، وإلى التحلي بالطاعات وما يبعث عليها، وها أنا ذا ناقلٌ لك كلامه – على طوله – لنفاسته واستيفائه وصدق واقعه، فراعه سمعك، ووجّه له قلبك، وأعمل له عقلك، والله يتولى الصالحين.