يُحيون ليله بـ"الغبقة" ويحتفلون بـ"القرنقعوه"
لا يبدو من مظاهر شهر رمضان في قطر سوى ازدحام الشوارع ومراكز التسوق والأماكن الترفيهية، غير أن لهذا الشهر الفضيل وجهان في هذه البلاد: وجه يراه المقيم وآخر يراه المواطن القطري.
فالمقيم لا يعرف من رمضان سوى تخفيض ساعات العمل وازدحام الأسواق وانتشار العروض الترويجية على المواد الغذائية لاسيما التمر والمكسرات.. وربما يحاول محاكاة العادات التي تميز رمضان في وطنه الأم.. ويبدو له أن البلاد لم يطرأ عليها أي تغيير.
غير أن الأسر القطرية، ومع انتصاف شهر شعبان، تبدأ في الاستعداد لاستقبال شهر رمضان الكريم وتزدحم الأسواق بالمشترين، وتقوم ربة المنزل القطرية بتحضير التوابل الخاصة بهذا الشهر وتجهيز البن والأرز وصنع السمن البلدي من حليب الأبقار والغنم، وتهدي من هذه المواد لصديقاتها وجيرانها وأقاربها. ويشعر القطريون بنكهة وروح خاصة تسود البلاد مع قدوم الشهر الكريم، حيث يحرصون على إحياء عادات وتقاليد توارثوها عن الأجداد.
مائدة رمضان
ومثل كل الدول العربية تقريبا يبدأ الصائمون الإفطار على حبات من التمر مع اللبن اتباعاً لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم يتناولون الأطعمة الخاصة بهذا الشهر؛ ومن أشهرها الهريس، وهو طبق رئيسي على مائدة رمضان في قطر، ويتكون من القمح المهروس مع اللحم والسمن البلدي والقرفة المطحونة. كما لا تخلو مائدة رمضان من الثريد، وهو خبز مقطع قطعاً صغيرة ويُسكب فوقه مرق اللحم والخضروات.
ومن أصناف الحلوى الرمضانية المحلبية، وتتكون من الحليب وعيش الأرز مضاف إليه الزعفران والهيل، بجانب المضروبة واللقيمات وهي حلوى تشبه لقمة القاضي.
وبعد الإفطار وانتهاء صلاة التراويح يجتمع الرجال والشباب في حدث يسمى "الغبقة"، نسبة إلى وليمة تأكل في منتصف الليل بعد أن يسهر الجمع حتى السحور يأكلون الحلوى الرمضانية ويتسامرون، كما تجتمع النساء لمدة ساعتين فقط بعد صلاة التراويح للسمر والحديث. ويتم تقديم وجبات خاصة خلال "الغبقة" ومنها المحمر؛ وهو سمك مقلي مع أرز مطبوخ بالسكر، بجانب الهريسة والمضروبة.
وفي الليل يطوف "المسحراتي" في شوارع الدوحة لينبه الناس إلى قرب موعد السحور حاملاً طبلته الشهيرة. ومن المفارقات، كما تقول أمل أحمد، صحفية قطرية، أن المسحراتي حتى خمس سنوات مضت كان قطرياً، لكن الآن تم استبداله بعامل هندي أو عربي يتطوع لتنبيه الناس إلى موعد الفجر.
ولا يقتصر الاستعداد لرمضان على الجوانب المادية أو الدنيوية حيث يبدأ الاستعداد الروحي لشهر رمضان بسيادة روح التسامح وسعى الناس لتطهير أنفسهم والإكثار من الاستغفار وذكر الله كما تقول آمنة، موظفة بدالة قطرية.
وينشط العمل في الجمعيات الخيرية وتشهد المساجد حضوراً مكثفاً، وبالأخص مسجد عمر بن الخطاب، لاسيما عندما يخطب فيه الشيخ يوسف القرضاوي، وكذلك مسجد أبو بكر الصديق. وتقام الدروس الدينية قبل الإفطار وبعد صلاة التراويح في هذه المساجد. ومن أشهر الخطباء وأحبهم لدى القطريين بخلاف، القرضاوي، الشيخ الغره داقي والشيخ ثقيل الشمري والشيخ أحمد العجمي.
وتنتشر في بعض المناطق "موائد الرحمن" التي يقيمها أفراد الأسرة الحاكمة وبعض المتدينين من القطريين والمقيمين لإطعام الفقراء.
القرنقعوه
وفي الرابع عشر من شهر رمضان يقيم الأطفال القطريون احتفال "القرنقعوه" حيث يرتدون البخنق، وهو عبار عن حزام من اللونين الأسود والذهبي يوضع على الرأس أو الخصر، ويذهبون في جماعات بعد صلاة العشاء يدورون في الأحياء ويرددون أغنية : "قرنقعوه قرنقعوه.. عطونا الله يعطيكم.. بيت مكة يوديكم.. يا مكة يالمعمورة.. يام السلاسل والذهب يا نوره.. عطونا تحبة ميزان.. سلم لكم عزيزان.. يا بنية يالحبابة.. أبوك مشرع بابه.. باب الكرم ما صكه ولا حطله بوابة". ويقدم لهم الناس الحلوى والمكسرات.
العشر الأواخر
أما العشر الأواخر من شهر رمضان فتتميز بطقوس مختلفة مثل خياطة التوب أو الدشداشة الرجالي وخياطة العباية للنساء وازدحام الأسواق والمراكز التجارية بالمشترين استعداداً للعيد، بالإضافة إلى ظهور أماكن الاعتكاف في المساجد والزوايا ومرور المشايخ على المنازل للتذكير بصدقة الفطر، أو الحديث عنها في المساجد والدروس الدينية