يشير التاريخ إلى أن المسلمين – فى شهر رمضان - كانوا أيام الرسول يأكلون ويشربون من الغروب حتى وقت النوم ، وعندما بدأ استخدام الآذان اشتهر بلال وابن أم مكتوم بآدائه . وقد حاول المسلمون على مدى التاريخ – ومع زيادة الرقعة المكانية وانتشار الإسلام – أن يبتكروا الوسائل المختلفة إلى جانب الآذان للإشارة إلى موعد الإفطار ، إلى أن ظهر مدفع الإفطار إلى الوجود .. قبيل الإذاعة والتلفاز والجرائد. وقبل ولادة وسائل الإعلام المختلفة المرئي منها والمسموع والمقروء. كان المدفع من أهم الوسائل الإعلامية في بعض من الدول العربية والإسلامية للإعلان عن موعد الإمساك والإفطار في رمضان.
بعد غروب الشمس وقبل الإفطار «اضرب المدفع.. اضرب»! مع هذه الكلمات اعتاد المسلمون ولأكثر من 560 عاما سماعها قبيل إفطارهم وإمساكهم عن تناول السحور في كل يوم من أيام شهر رمضان، لتضرب المدافع منذ إعلان ثبوت رؤية هلال شهر رمضان 21 طلقة تبشيرا وإجلالا، وسبع طلقات إشعارا بموعد الإفطار، وعند الإمساك بعد السحور تسمع طلقة واحدة،
وبدأ استخدام أو إطلاق مدفع رمضان للمرة الأولى قبل خمسة قرون في عهد المماليك ممن حكموا مصر وغيرها من البلدان المجاورة، فمع غروب شمس أول أيام شهر رمضان من عام 865 هـ، رغب السلطان المملوكي «خوش قدم» تجريب مدفع كان قد تلقاه كهدية من صاحب مصنع ألماني.
وتصادف ذلك الوقت مع غروب الشمس، وكان سرور الناس عظيما بذلك، فقد ظنوا تعمد السلطان إطلاق المدفع لتنبيه الصائمين بدخول وقت الإفطار، لتخرج عقب الإفطار جموع من أهالي القاهرة إلى بيت القاضي الذي كان مقرا للحكم آنذاك، لشكر السلطان على هذه السنة الحسنة التي استحدثها رغم انه لم يكن يقصدها، لكنه ما أن رأى سرور الناس بها قرر المضي بإطلاق المدفع كل يوم إيذانا بالإفطار. كما زاد على ذلك مدفع السحور ثم الإمساك.
ومنذ ذلك الحين وعادة إطلاق المدفع في رمضان باقية إلى يومنا هذا، ولتصبح أحد رموز الشهر الكريم. واحد التقاليد العريقة في كثير من الأصقاع العربية والإسلامية. وبالأخص عقب أن استأثر صوته الشجي وأطرب أسماع الصائمين لروحانيته العظيمة.
ولطالما سمع الناس في الماضي صوت المدفع من على مسافات بعيدة، للهدوء التام الذي كان يعم المكان والموطن حيث لا ضجيج لأجهزة التكييف ولا لحركة السيارات أومرور الطائرات.
هكذا استمر صوت المدفع كعنصر أساسي في حياة الناس الرمضانية وحتى ظهور المذياع، ليتوقف إطلاقه . ويذاع تسجيله الصوتي يوميا عبر أثير الإذاعة والتلفاز إلى أن قرر المسؤولون بث عملية الإطلاق لمدفع رمضان طوال الشهر الكريم في السحور والإفطار على الهواء مباشرة.
وقبل إحالة المدفع الرمضاني إلى التقاعد. أحكم أسره داخل نفوس الصائمين، ليذهب البعض منهم إلى مكان المدفع قبيل الغروب للاستمتاع بصوته وحركته عندما يقذف ما في جعبته من بارود وملح ونار. هكذا ومهما تغير وتطور الزمان سيظل للمدفع خصوصيته وروحانيته في نفوس عاشقيه من الصائمين..