في السابع من رمضان عام 361 هـ الموافق 971 م أُقيمت الصلاة لأول مرة في الجامع الأزهر بالقاهرة ، وهكذا صار الأزهر جامعاً وجامعة جامعاً للعبادة وجامعةً للعلم .
ويعد الجامع الأزهر أحد أهم المساجد الإسلامية الكبرى في العالم الإسلامي على الإطلاق ، أقامه القائد جوهر الصقلي قائد الخليفة المعز لدين الله الفاطمي ليكون جامعاً ومدرسة لتخريج الدعاة الفاطميين ليروجوا للمذهب الشيعي الذي كان مذهب الفاطميين .
وكان بناؤه في أعقاب فتح جوهر لمصر في 11 شعبان سنة 358 هـ / يوليو 969 م حيث وضع أساس مدينة القاهرة في 17 شعبان سنة 358 هـ لتكون العاصمة ثم وضع حجر أساس الجامع الأزهر في 14 شعبان سنة 359 هـ / 970 م .
وقد اختلف المؤرخون فى أصل تسمية هذا الجامع ، والراجح أن الفاطميين سموه بالأزهر تيمناً بفاطمة الزهراء بنت الرسول وإشادة بذكراها .
وقد كان الجامع الأزهر وقت إنشائه مؤلفاً من صحن مكشوف تكتنفه ثلاثة أروقة أكبرها رواق القبلة الذي يتألف من خمسة صفوف من العقود : أربعة منها محمولة على عمد من الرخام تيجانها مختلفة الأشكال والصف الخامس وهو المشرف على الصحن محمول على أكتاف مستطيلة القطاع .
ويتوسط هذا الرواق مجاز مرتفع يتجه من الصحن إلى حائط القبلة وينتهي بقبة تغطي الجزء الواقع أمام المحراب كما كان يغطي طرفي البائكة الأخيرة - الشرقية لهذا الرواق - قبتان متماثلتان لم يبق لهما أثر الآن .. أما الرواقان الجانبيان فيتكون كل منهما من ثلاث بائكات محمولة عقودها على عمد من الرخام فيما عدا العقود المنتهية إلى الصحن فإنها محمولة على أكتاف مستطيلة القطاع كما هي الحال في رواق القبلة .
وحوالي سنة 400 هجرية الموافق 1009 ميلادية جدد هذا الجامع الحاكم بأمر الله ثالث الخلفاء الفاطميين بمصر تجديداً لم يبق من أثره سوى باب من الخشب محفوظ بدار الآثار العربية .
وفي سنة 519 هجرية الموافق 1125 ميلادية أمر الآمر بأحكام الله سابع الخلفاء الفاطميين أن يعمل للجامع محراب متنقل من الخشب وهو محفوظ أيضاً بدار الآثار العربية .
وفي أواخر العصر الفاطمي - القرن السادس الهجري - الثاني عشر الميلادي - أضيف للقسم المسقوف من الجامع أربع بائكات تحيط بالحصن من جهاته الأربع محمولة عقودها على عمد من الرخام يتوسط البائكة الشرقية منها قبة أقيمت عند مبدأ المجاز القاطع لرواق القبلة وقد حليت هذه القبة من الداخل بزخارف جصية وطرز من الكتابة الكوفية المشتملة على آيات قرآنية .
هذا وقد أبقى الزمن على كثير من الزخارف الجصية والكتابات الكوفية الأصلية التي نراها تحيط بعقود المجاز الأوسط وتحلي خواصرها ثم بعقد وطاقية المحراب القديم كما أبقى الزمن أيضاً على بعض الشبابيك الجصية المفرغة - المصمتة الآن - وما يحيط بها من كتابات كوفية وزخارف نراها بنهايتي حائطي رواق القبلة الشرقي والبحري .
وأولى الإضافات التي ألحقت بالجامع بعد العصر الفاطمي المدرسة الطيبرسية الواقعة على يمين الداخل من الباب المعروف بباب المزينين بميدان الأزهر التي أنشاها الأمير علاء الدين الخازنداري نقيب الجيوش سنة 709 هجرية الموافق 1309 ميلادية وأهم ما في هذه المدرسة محرابها الرخامي الذي يعد من أجمل المحاريب لتناسب أجزائه ودقة صناعته وتجانس ألوان الرخام وتنوع رسومه وما احتواه من فسيفساء مذهبة ازدانت بها توشيحتا عقده .
يلي ذلك المدرسة الأقبغاوية المقابلة للمدرسة الطيبرسية على يسار الداخل من الباب سالف الذكر وهي التي أنشأها الأمير أقبغا عبد الواحد استادار الملك الناصر محمد بن قلاون سنة 740 هجرية الموافق 1339 ميلادية والتي امتازت بمدخلها الجميل وبمحرابها الرخامي الذي لا يقل روعة عن نظيره في المدرسة الطيبرسية .
وحوالي سنة 844 هجرية الموافق 1440 ميلادية أنشأ جوهر القنقبائي المدرسة الجوهرية وألحقها بالجامع من جهته البحرية وجعل لها مدخلين أحدهما من الجامع والثاني من الخارج ، وبنى بها قبة أعد فيها قبراً دفن فيه ، وهذه المدرسة جمعت من طرائف الفن الشيء الكثير .
وفي سنة 873 هجرية الموافق 1468 / 69 ميلادية جدد السلطان قايتباي الباب العمومي الواقع بين المدرستين الطيبرسية والأقبغاوية والمؤدي إلى صحن الجامع كما شيد المئذنة القائمة على يمينه .
وكلاهما كغيرهما من أبنية قايتباي حافل بالزخارف والكتابات ، ولم تقف أعمال قايتباي عند هذا بل أنشأ رواقاً للمغاربة ودورة للمياه .
وفي سنة 915 هجرية الموافق 1509 ميلادية أنشأ السلطان قنصوه الغوري منارة مرتفعة ينتهي أعلاها برأسين وتقع إلى جانب منارة قايتباي ، ومن مميزاتها أن لها سلمين يبتدئان من الدورة الأولى ويتلاقى الصاعدان عليهما عند الدورة الثانية بحيث لا يرى أحدهما الآخر .
على أن أهم زيادة أضيفت للجامع هي التي قام بها الأمير عبد الرحمن كتخدا سنة 1167 هجرية الموافق 1753 ميلادية فقد أضاف رواقاً كبيراً خلف المحراب القديم ارتفع بأرضه وسقفه عن أرض الجامع وسقفه وعمل له محراباً كساه بالرخام وأقام بجواره منبراً من الخشب .
كما أنشأ الباب المعروف بباب الصعايدة الواقع في نهاية الوجهة القبلية وبداخله مكتب لتحفيظ القرآن الكريم تجاوره منارة شيدها عبد الرحمن كتخدا أيضاً كما أنشأ قبة على يسار الداخل من هذا الباب أعد بها قبراً دفن فيه .
هذا وقد أنشأ كذلك الباب المعروف بباب الشوربة تجاوره منارة أخرى له ، كما جدد وجهة المدرسة الطيبرسية وجمع بينهما وبين وجهة المدرسة الأقبغاوية بالباب الكبير ذي الفتحتين المعروف بباب المزينين المشرف على ميدان الأزهر .
وحوالي سنة 1210 هجرية الموافق 1795 ميلادية أنشأ الوالي إبراهيم بك رواقاً للشراقوة ، كما أنشأ محمد علي باشا الكبير رواقاً للسنارية .
أما الخديو إسماعيل فقد أمر بهدم باب الصعايدة والمكتب الذي بداخله وإعادة بنائهما كما أمر بإصلاح المدرسة الأقبغاوية ، وكذلك أمر الخديو توفيق بتجديد الرواق الذي أنشأه عبد الرحمن كتخدا .
وهكذا توالت أعمال التجديد والتعمير بالجامع إلى أن كانت سنة 1310 هجرية الموافق 1892 / 93 ميلادية حيث قام ديوان الأوقاف العمومية بتجديد العقود المحيطة بالصحن .
وفي سنة 1312 هجرية الموافق 1895 ميلادية أمر الخديو عباس الثاني بإنشاء الرواق العباسي وتجديد الواجهة البحرية المقابلة لمسجد محمد بك أبو الذهب وتجديد السياج الخشبي المحيط بالصحن .
وتوجت هذه الإصلاحات بما أمر به حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق الأول من تبليط أرض الجامع بالرخام المستورد من محاجر الهرم وفرشها بالسجاد الفاخر .