بينيف.. ستة عقود من الظواهر البلغارية الفريدة

حقبة واحدة فقط يمكن الحديث عنها عند استعراض تاريخ بلغاريا المتواضع في كرة القدم، هي حقبة وصل خلالها المنتخب الوطني إلى نصف نهائي كأس العالم 1994 في الولايات المتحدة، ورغم وجود مجموعة كبيرة من اللاعبين الموهوبين في ذلك الوقت، يعود الفضل في هذا الإنجاز إلى رجل يعتبر بمثابة المهندس الحقيقي للكرة البلغارية.

إنه ديميتار بينيف، المدافع الشرس، المدرب الشغوف، والرجل المثير للجدل الذي يحتفل يوم الأحد بعيد ميلاده السبعين، وبهذه المناسة أعد الموقع الإلكتروني للإتحاد الدولي لكرة القدم (يويفا) تقريرا موسعا يستعرض خلاله مسيرة حافلة بالمواقف التاريخية حظي بها المدرب الملقب بـ"مخطط مورفيان".

حسب وثائقه الرسمية، فإن بينيف من مواليد 12 تموز (يوليو) العام 1945 في مدينة ميروفيان بالقرب من العاصمة صوفيا، لكن البلغاريين يقولون أن بينيف ولد في العاشر من الشهر ذاته لكن والديه وثقوا ميلاده بعد يومين من الموعد الأصلي، عشق كرة القدم منذ الصغر ومع بلوغه الرابعة عشرة من عمره انضم إلى أكاديمية لوكوموتيف صوفيا، قدم بينيف أداء جيدا كمدافع في بداية السيتينيات لكن رحلته مع الألقاب تأجلت حتى العام 1964 عندما تمكن برفقة نيكولا كوتكوف وسبيرو ديبارسكي من إحراز لقب الدوري المحلي.

اختار بينيف بعد ذلك الرحيل إلى الفريق الآخر في العاصمة، سسكا صوفيا، ومع "رجال الجيش" فاز بلقب الدوري البلغاري سبع مرات وكأس بلغاريا 5 مرات، كما وصل مع الفريق إلى نصف نهائي بطولة الأندية الأوروبية أبطال الدوري موسم 1966-1967، عندما خسر سسكا صوفيا مباراة حاسمة أمام إنتر ميلان الإيطالي إثر انتهاء مباراتي الذهاب والإياب بتبادل الفريقين الفوز بالنتيجة ذتها (1-0)، وبعد أشهر من ذلك الإنجاز النادر، فاز بينيف بجائزة أفضل لاعب كرة في بلاده.

كان بينيف مدافعا متألقا جمع بين الأناقة في مظهره والشراسة في أدائه، مثل المنتخب البلغاري في 90 مباراة دولية سجل خلالها هدفين، وارتدى شارة القائد في 15 مناسبة، وشارك في نهائيات كأس العالم ثلاث مرات متتالية أعوام 1966 و1970 و1974، لعب 264 مباراة في الدوري البلغاري دون أن يتلقى بطاقة حمراء واحدة، واعتزل اللعب العام 1977 وهو في الثانية والثلاثين من عمره.

لم يستطع بينيف تحمل فراق لعبته المفضلة كثيرا، وسرعان ما تحول إلى التدريب وتولى الإدارة الفنية لفريق سسكا صوفيا، ووصل به إلى دور الأربعة في بطولة الأندية الأوروبية أبطال الكأس العام 1989، كان الفريق حينها يتكون من لاعبين أكفاء ساهموا فيما بعد في صنع تاريخ لن يمحى من ذاكرة عشاق الكرة في بلادهم أمثل خريستو ستويشكوف واميل كوستادينوف وابن شقيق المدرب، لوباسلاف بينيف.

وبعد قيادته سسكا كمدرب لإحراز لقب الدوري ثلاث مرات والكأس أربع مرات، لم يكن هناك من هو أنسب منه لتولي تدريب منتخب بلغاريا العام 1991، ليلعب بعدها دورا رئيسيا في كتابة أهم فصول تاريخ الكرة في بلاده.

كان أمرا مستبعدا أن يتأهل البلغاريون إلى نهائيات مونديال الولايات المتحدة، احتاجوا للفوز على فرنسا في عقر دارها بمباراتها الأخيرة بالتصفيات، كان المنتخب الفرنسي حينها زاخرا بالنجوم الكبيرة أمثال جان بيير بابان وإريك كانتونا ومارسيل دوسايي وديفيد جينولا، لكن عزيمة بينيف رفضت الرضوخ وأحرز اميل كوستادينوف هدفا رائعا في الدقيقة الأخيرة من الوقت الأصلي ليهدي بلاده الفوز (2-1) وبطاقة التأهل إلى كأس العالم.

دخل المنتخب البلغاري النهائيات وفي نيته إحراز أول فوز في المسابقة في ست مشاركات، لكنه حقق مفاجآت متتالية وخرج منتصرا في أربع مباريات، منها ذلك الإنتصار التاريخي على الأرجنتين (2-0) في الدور الأول، والفوز الصاعق على ألمانيا في الدور ربع النهائي (2-1)، قبل أن ينهي الإيطالي روبرتو باجيو أحلام أبناء بينيف في الدور نصف النهائي.

عاد بينيف ليقود المنتخب البلغاري للتأهل إلى نهائيات كأس أوروبا 1996 لكن الفريق ودع من الدور الأول ليستقيل المدرب من منصبه قبل أن يعود إليه لفترة قصيرة العام 2007، وتم اختياره كأفضل مدرب بلغاري في القرن العشرين.

عرف عن بينيف طباعه الحادة وميله للصراخ على لاعبيه، وفي المقابل اشتهر بمنحه الفرصة للاعبين الشباب في سسكا صوفيا، فهو المدرب الذي أطلق العنان لقدرات ستيليان بتروف ومارتن بتروف وديميتار برباتوف في سن صغيرة، وقال برباتوف عن بينيف: "منحني فرصة.. وثق بإمكانياتي عندما كنت شابا يافعا، كان شرفا عظيما أن أعمل تحت إدارته".

كرة القدم البلغارية بعيدة كل البعد حاليا عن فترات التألق التي عاشتها في التسعينيات، ولم تعد قادرة على إنتاج مهارات تستطيع البروز على الساحة الأوروبية مثل ستويشكوف وبرباتوف، لكن ظهور رجل بمواصفات بينيف الذي يفهم طبيعة لاعبي بلاده قد يشكل بداية حقبة جديدة في بلد تعاني أنديته حاليا من الفساد والإفلاس.

واصل تقدمك