تنمية الذوق والحس الجمالي في الاسلام
(ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون). (النحل/6)
(انا جعلنا ماعلى الارض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملاً). (الكهف/7)
(قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده). (الاعراف/32)
(يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد). (الاعراف/31)
وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله:
(مامن رجل يموت حين يموت وفي قلبه مثقال حبة من خردل من كبر يحل له الجنة، ان يريح ريحها ولايراها).
فقال رجل من قريش، يقال له ابو ريحانة: والله يارسول الله إني لاُحب الجمال واشتهيه، حتى اني لاُحبه في علاقة سوطي، وفي شراك نعلي.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ليس ذاك الكِبر، ان الله عزوجل يُحب الجمال، ولكن الكِبر من سفه الحق، وغمصَ الناس بعينه)(37).
لقد اعتنى الاسلام عناية بالغة بموضوع الجمال وتنمية الذوق والحس الجمالي.
فلقد تحدث القرآن عن الزينة والجمال، ولفت نظر الانسان الى مافي عالم الموجودات من جمال وروعة وفن وابداع لتكون دليلاً على قدرة الله وعظمته. وتتضح أهمية القيم الجمالية في الفكر الاسلامي عندما نقرأ في كتاب الله وصف الله نفسه بأنه بديع السموات، وانه المصور والخالق الذي أضفى على كل شيء في هذا الوجود مسحة الجمال والاتقان.
ولنا في بيان الرسول وسلوكه العملي ايضاح كاف لاهتمام الاسلام بالجمال والتربية الجمالية، فها هو يصف الله سبحانه بأنه: (جميل يحب الجمال، وبذا يرتفع الجمال المطلق الى أعلى مراتب الوجود واسمى حقيقة يشتد الشوق اليها والسعي نحوها.
والرسول (صلى الله عليه وآله) كان المثل الانساني الاعلى في الاناقة والجمال وسمو الذوق.
إن التربية الجمالية تربي في الانسان سمو الذوق الذي يتجسد في انماط السلوك والعلاقات الاجتماعية كما يتجسد في الاشياء والموضوعات الحسية. وهي الى جانب ذلك تفتح الافق النفسي والعقلي والوجداني لدى الانسان، وتشده الى مبدع الخلائق والجمال في هذا الوجود، وهو الله سبحانه.
فالجمال والتربية الجمالية طريق الى معرفة الله، ودليل على عظمته والارتباط العقلي والوجداني به.
فالكون بكل مافيه من تناسق وروعة وجمال يشكّل لوحة فنية أخّاذة، ومصدراً للالهام الفني والجمالي وتربية الحس والذوق والمشاعر وتهذيبها.
وقد ثبّتت دراسات الفلاسفة الاسلاميين القيم الانسانية العليا (الحق والخير والجمال) وجعلتها هدفاً أسمى في هذا الوجود يسعى الانسان لبلوغها، وتحقيق مصاديقها، وبناء الحياة على أساسها.
كما وبحث علماء الكلام (علماء العقيدة الاسلامية) وعلماء أصول الفقه مسألة الحسن والقبح في الافعال والاشياء بحثاً علمياً مفصلاً، فنفوا عن الله فعل القبيح، وأثبتوا له الفعل الحسن. وعلى تلك المبادي أسسوا قيماً ومفاهيم وأسساً تشريعية لتنظيم السلوك الفردي والعلاقات الاجتماعية فجعلوا الحسن أساساً لبناء الحياة.
وتأسيساً على موقف الاسلام من الحسن والجمال يتحمل الاباء والمربون تعميق هذا الشعور في نفس الطفل والناشىء وتحبيب الجمال إليهما، فان تربيته على تلك القيم تعني تربية الذوق والحسن الجمالي عندهما وتهذيب سلوكهما وأخلاقهما والحس الوجداني لديهما وتعميق القدرة عندهما على التمييز بين الحسن والقبيح، والتفاعل مع الجمال المادّي والمعنوي.
ان تدريب الطفل منذ نشأته على الاناقة ومشاهدته للعناية الاسرية بمظاهر الاناقة والجمال، وحثه على حسن ترتيب ادواته المدرسية والعناية بمظهره، ومشاهدته آثار الجمال في البيت، في هندسته والوانه وحديقته، في سندان الازهار... وفي اللوحة الفنية في البيت والمشاهدات التلفزيونية والمجلات والمصورات ومحفظة الاسرة الصورية (الالبوم) وفي حديقة البيت والطيور التي ترى فيها، بل وفي تنظيم مائدة الطعام وتصفيف الفاكهة في الاناء والاواني في المعرض الزجاجي في البيت..الخ.
واستصحابه في السفر ليتمتع بمشاهد الطبيعة ومناظرها الخلابة، وتوعيته وإلفات نظره الى مواطن الجمال، وتعبير الابوين عن التأثر بالمظاهر الجمالية والثناء على اهتمامه بمظهره وعنايته بترتيب أدواته، وتحسين خطه الكتابي وتشجيعه على الرسم والخط والتصوير، وعمل التشكيلات الفنية البسيطة من الشمع والازهار، وقطع السيراميك، والقطع البلاستيكية والخشبية الملونة..الخ وإعطاءه الحرية في اختيار ملابسه ومساعدته على الاختيار.
ان هذه المشاهد والاثارات والارشادات والممارسات وغيرها تنمي في نفسه الاحساس الجمالي والقدرة على الاداء الفني.
إن النقد لمظاهر القبح واشعاره بالنفور من المظاهر الفاقدة للجمال يُكون لديه حساً نقدياً، ويعمق في نفسه النفور من القبح، والاقبال عى الحسن والجميل من الفعل والقول والسلوك والاشياء.
ينبغي ان نربي الطفل والناشىء على أن الجمال يتجسد في القيم... يتجسد في الكلمة الطيّبة وفي حسن المنطق، وأدب الكلام، وحسن المعاشرة، وفي فعل الخير واحترام الحق. كما يتجسد في الموضوعات الحسية: في الشكل الانساني، وفي اللباس والعطر، وحقول الازهار، وبناء البيت وهندسة المدن واللوحة الفنية..الخ، لينشأ على القيم، ويوظف الجمال في تهذيب السلوك وسمو الذوق.
ولاهتمام الاسلام بالجمال، وسعيه لطبع شخصية الطفل بهذا الطابع، وتوفير العناصر الجمالية في حياته، دعا الى استحباب ان تكون مرضعة الطفل حسناء وضيئة، وكره ان ترضعه المرأة القبيحة المنظر.
ورد هذا التوجيه عن الامام محمد بن علي الباقر (عليه السلام) في قوله لاحد أصحابه: (استرضع لولدك بلبن الحسان، وإياك والقباح، فان اللّبن قد يعدي)/38
كما ورد عنه (عليه السلام) أيضاً : (عليكم بالوضّاء من الظئورة (39)، فان اللبن يعدي)(40).
وهكذا تتضح أمامنا أسس ومبادي لتقويم الجمال والاهتمام به كموضوع ينتجه الفن ويسمو بالنفس والذوق والمشاعر ويشيع فيها الحب والسرور.
البلاغ