نكمل
القصة بإيجاز
في زمان ومكان غير معروفين لنا الآن، كانت توجد قرية مشركة. ضل ملكها وأهلها عن الطريق المستقيم، وعبدوا مع الله مالا يضرهم ولا ينفعهم. عبدوهم من غير أي دليل على ألوهيتهم. ومع ذلك كانوا يدافعون عن هذه الآلهة المزعومة، ولا يرضون أن يمسها أحد بسوء. ويؤذون كل من يكفر بها، ولا يعبدها.
في هذه المجتمع الفاسد، ظهرت مجموعة من الشباب العقلاء. ثلة قليلة حكّمت عقلها، ورفضت السجود لغير خالقها، الله الذي بيده كل شيء. فتية، آمنوا بالله، فثبتهم وزاد في هداهم. وألهمهم طريق الرشاد.
لم يكن هؤلاء الفتية أنبياء ولا رسلا، ولم يتوجب عليهم تحمل ما يتحمله الرسل في دعوة أقواهم. إنما كانوا أصحاب إيمان راسخ، فأنكروا على قومهم شركهم بالله، وطلبوا منهم إقامة الحجة على وجود آلهة غير الله. ثم قرروا النجاة بدينهم وبأنفسهم بالهجرة من القرية لمكان آمن يعبدون الله فيه. فالقرية فاسدة، وأهلها ضالون.
عزم الفتية على الخروج من القرية، والتوجه لكهف مهجور ليكون ملاذا لهم. خرجوا ومعهم كلبهم من المدينة الواسة، للكهف الضيق. تركوا وراءهم منازلهم المريحة، ليسكنوا كهفا موحشا. زهدوا في الأسرّية الوثيرة، والحجر الفسيحة، واختاروا كهفا ضيقا مظلما.
إن هذا ليس بغريب على من ملأ الإيمان قلبه. فالمؤمن يرى الصحراء روضة إن أحس أن الله معه. ويرى الكهف قصرا، إن اختار الله له الكهف. وهؤلاء ما خرجوا من قريتهم لطلب دنيا أو مال، وإنما خرجوا طمعا في رضى الله. وأي مكان يمكنهم فيه عبادة الله ونيل رضاه سيكون خيرا من قريتهم التي خرجوا منها.
استلقى الفتية في الكهف، وجلس كلبهم على باب الكهف يحرسه. وهنا حدثت معجزة إلاهية. لقد نام الفتية ثلاثمئة وتسع سنوات. وخلال هذه المدة، كانت الشمس تشرق عن يمين كهفهم وتغرب عن شماله، فلا تصيبهم أشعتها في أول ولا آخر النهار. وكانوا يتقلبون أثناء نومهم، حتى لا تهترئ أجاسدهم. فكان الناظر إليهم يحس بالرعب. يحس بالرعب لأنهم نائمون ولكنهم كالمستيقظين من كثرة تقلّبهم.
بعد هذه المئين الثلاث، بعثهم الله مرة أخرى. استيقضوا من سباتهم الطويل، لكنهم لم يدركوا كم مضى عليهم من الوقت في نومهم. وكانت آثار النوم الطويل بادية عليهم. فتساءلوا: كم لبثنا؟! فأجاب بعضهم: لبثنا يوما أو بعض يوم. لكنهم تجاوزوا بسرعة مرحلة الدهشة، فمدة النوم غير مهمة. المهم أنهم استيقظوا وعليهم أن يتدبروا أمورهم.
فأخرجوا النقود التي كانت معهم، ثم طلبوا من أحدهم أن يذهب خلسة للمدينة، وأن يشتري طعاما طيبا بهذه النقود، ثم يعود إليهم برفق حتى لا يشعر به أحد. فربما يعاقبهم جنود الملك أو الظلمة من أهل القرية إن علموا بأمرهم. قد يخيرونهم بين العودة للشرك، أو الرجم حتى الموت.
خرج الرجل المؤمن متوجها للقرية، إلا أنها لم تكن كعهده بها. لقد تغيرت الأماكن والوجوه. تغيّرت البضائع والنقود. استغرب كيف يحدث كل هذا في يوم وليلة. وبالطبع، لم يكن عسيرا على أهل القرية أن يميزوا دهشة هذا الرجل. ولم يكن صبعا عليهم معرفة أنه غريب، من ثيابه التي يلبسها ونقوده التي يحملها.
لقد آمن المدينة التي خرج منها الفتية، وهلك الملك الظالم، وجاء مكانه رجل صالح. لقد فرح الناس بهؤلاء الفتية المؤمنين. لقد كانوا أول من يؤمن من هذه القرية. لقد هاجروا من قريتهم لكيلا يفتنوا في دينهم. وها هم قد عادوا. فمن حق أهل القرية الفرح. وذهبوا لرؤيتهم.
وبعد أن ثبتت المعجزة، معجزة إحياء الأموات. وبعدما استيقنت قلوب أهل القرية قدرة الله سبحانه وتعالى على بعث من يموت، برؤية مثال واقي ملموس أمامهم. أخذ الله أرواح الفتية. فلكل نفس أجل، ولا بد لها أن تموت. فاختلف أهل القرية. فمن من دعى لإقامة بنيان على كهفهم، ومنهم من طالب ببناء مسجد، وغلبت الفئة الثانية.
لا نزال نجهل كثيرا من الأمور المتعلقة بهم. فهل كانوا قبل زمن عيسى عليه السلام، أم كانوا بعده. هل آمنوا بربهم من من تلقاء نفسهم، أم أن أحد الحواريين دعاهم للإيمان. هل كانوا في بلدة من بلاد الروم، أم في فلسطين. هل كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم، أم خمسة سادسهم كلبهم، أم سبعة وثامنهم كلبهم. كل هذه أمور مجهولة. إلا أن الله عز وجل ينهانا عن الجدال في هذه الأمور، ويأمرنا بإرجاع علمهم إلى الله. فالعبرة ليست في العدد، وإنما فيما آل إليه الأمر. فلا يهم إن كانوا أربعة أو ثمانية، إنما المهم أن الله أقامهم بعد أكثر من ثلاثمئة سنة ليرى من عاصرهم قدرة على بعث من في القبور، ولتتناقل الأجيال خبر هذه المعجزة جيلا بعد جيل
الأعجاز في القصة وماقبلها :
أهم الإشارات الطبية والعلمية المستنبطة من قصة آهل الكهف
أولاً:الإشارات العلمية العامة
1- الأسلوب العلمي البليغ في بيان ملخص القصة أولاً ثم التفاصيل ثانيا :
ان الآيات الأربع الأولى من السورة (9-12)والتي تبدأ بها القصة ذكرت مجمل وخلاصة الأحداث "الموجز"ثم ذكرت التفاصيل في الآيات الأربع عشر التالية (13-26)بدلي ذكر مدة رقودهم في الموجز بقوله تعالى(فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا)الكهف/11،ثم بين هذه المدة بعد ذلك بالتفصيل في قوله تعالى (ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعاً) الكهف/25
2- إظهار آيات الله وعجائبه في مخلوقاته:
فالله تعالى آمر في التفكير بها حيث إنها لا تقل عجبا عن آيات أصحاب الكهف والرقيم بالرغم من كونها خارقة لقوله تعالى (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا )الكهف /9 فان من صفحات هذا الكون من العجائب ما يفوق قصتهم وقد ذكر ابن كثير في تفسيره لهذه الآية ما نصه:أي ليس أمرهم عجيبا في قدرتنا وسلطاننا فان خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار وتسخير القمر والكواكب وغير ذلك من الآيات العظيمة الدالة على قدرة الله تعالى وانه على ما يشاء قادر ولا يعجزه شي اعجب من أخبار أصحاب الكهف (ابن كثير،تفسير القران العظيم ،ج71/3-72دار الجيل –بيروت 1988)
ثانيا :الإشارات الطبية
فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا
وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا
وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا
حتى ينام أصحاب الكهف بصورة هادئة وصحيحة هذه المدة الطويلة من دون تعرضهم للأذى
والضرر وحتى لا يكون هذا المكان موحشا ويصبح مناسبا لمعيشتهم فقد وفر لهم الباري عز وجل
الأسباب التالية :
تعطيل حاسة السمع:حيث إن الصوت الخارجي يوقظ النائم وذلك في قوله تعالى
(فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا)الكهف/11 والضرب هنا التعطيل والمنع أي عطلنا
حاسة السمع عندهم مؤقتا والموجودة في الأذن والمرتبطة بالعصب القحفي الثامن .ذلك إن حاسة
السمع في الإذن هي الحاسة الوحيدة التي تعمل بصورة مستمرة في كافة الظروف وتربط الإنسان
بمحيطة الخارجي .
2-تعطيل الجهاز المنشط الشبكي (ascending reticular activating system ) :-
الموجود في الجذع الدماغ والذي يرتبط بالعصب القحفي الثامن أيضا (فرع التوازن)حيث إن هذا العصب له قسمان :الأول مسؤول عن السمع والثاني مسؤول عن التوازن في الجسم داخليا وخارجيا ولذلك قال الباري عز وجل (فضربنا على آذانهم)ولم يقل (فضربنا على سمعهم )أي إن التعطيل حصل للقسمين معا وهذا الجهاز الهام مسؤول أيضا عن حالة اليقظة والوعي وتنشيط فعاليات أجهزة الجسم المختلفة والإحساس بالمحفزات جميعا وفي حالة تعطيلية أو تخديره يدخل الإنسان في النوم العميق وتقل جميع فعالياته الحيويه وحرارة جسمه كما في حالة السبات والانقطاع عن العالم الخارجي قال تعالى (وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً ) النبأ/8 والسبات هو النوم والراحه (والمسبوت)هو الميت أو المغشى عليه (راجع مختار الصحاح ص 214).فنتج عن ذلك ما يلي :
أ-المحافظة على أجهزتهم حية تعمل في الحد الأدنى من استهلاك الطاقة فتوقفت عقارب الزمن بالنسبة لهم داخل كهفهم إلا إنها بقيت دائرة خارجه (كالخلايا والانسجه التي تحافظ في درجات حرارة واطئة فتتوقف عن النمو وهي حية ).
ب-تعطيل المحفزات الداخلية التي توقظ النائم عادة بواسطة الجهاز المذكور اعلاه كالشعور بالألم أو الجوع أو العطش أو الأحلام المزعجة (الكوابيس).
3 -المحافظة على أجسامهم سليمة طبيا وصحيا وحمياتها داخليا وخارجيا والتي منها :
أ-التقليب المستمر لهم أثناء نومهم كما في قولة تعالى :-
(وَتَحْسَبُهُمْ أيقاظاً وَهُمْ رُقودٌ وَنُقلّبُهُمْ ذاتَ اليْمَين وذاتَ الشّمَالِ )الكهف/18 لئلا تآكل الأرض أجسادهم بحدوث تقرحات الفراش في جلودهم والجلطات في الأوعية الدموية والرئتين وهذا ما يوصي به الطب ألتأهيلي حديثا في معالجة المرضى فاقدي الوعي أو الذين لا يستطيعون الحركة بسبب الشلل وغيرة .
ب-تعرض أجسادهم وفناء الكهف لضياء الشمس بصورة متوازنة ومعتدلة في أول النهار وآخرة للمحافظة عليها منعاً من حصول الرطوبة والتعفن داخل الكهف في حالة كونه معتما وذلك في قولة تعالى (وَتَرَى الشَّمس إذا طَلَعتْ تَزاورُ عن كهْفِهمَ ذاتَ الْيَمين وإذا غرَبتْ تَفْرضُهُمْ ذاتَ الشِّمال )الكهف/17 والشمس ضرورية كما هو معلوم طبيا للتطهير أولا ولتقوية عظام الإنسان وأنسجته بتكوين فيتامين د(vitamin d) عن طريق الجلد ثانيا وغيرها من الفوائد ثالثا .
يقول القرطبي في تفسيره :وقيل( إذا غربت فتقرضهم ) أي يصيبهم يسير منها من قراضة الذهب والفضة أي تعطيهم الشمس اليسير من شعاعها إصلاحا لأجسادهم فالآية في ذلك بان الله تعالى آواهم إلى الكهف هذه صفته لأعلى كهف آخر يتأذون فيه بانبساط الشمس عليهم في معظم النهار والمقصود بيان حفظهم عن تطرق البلاء وتغير الأبدان والألوان إليهم والتأذي بحر أو برد (القرطبي ،الجامع لأحكام القران ،ج1 ص 369،دار الكتاب العربي –القاهرة 1967).
ج. وجود فتحة في سقف الكهف تصل فناءه بالخارج تساعد على تعريض الكهف إلى جو مثالي من التهوية ولإضاءة عن طريق تلك الفتحة ووجود الفجوة (وهي المتسع في المكان )في الكهف في قولة تعالى (وَهُمْ في فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ مَنْ يَهْدِ اللهُ فهُوَ الْمُهتْدى وَمَنْ يُضْلِلْ فلَنْ تَجِدْ لَهُ ولياَ مُرْشداً ) الكهف /17.
د. الحماية الخارجية بإلقاء الرهبة منهم وجعلهم في حالة غريبة جدا غير مألوفة لا هم بالموتى ولا بالإحياء (إذ يرهم الناظر كالأيقاظ يتقلبون ولا يستيقظون بحيث إن من يطلع عليهم يهرب هلعا من مشهدهم وكان لوجود الكلب في باب فناء الكهف دور في حمايتهم لقولة تعالى (وَكلْبُهُمْ باسِط ذِراعِيْهِ بالْوَصيدِ لَوْ اطَّلعْتَ عَلْيَهمْ لَوَلَيتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلمُلِئْتَ مِنْهُمً رُعْباَ )الكهف / 18. إضافة إلى تعطيل حاسة السمع لديهم كما ذكرنا أعلاه كحماية من الأصوات الخارجية.......
الأعجاز العددي مرتبط بالإعجاز البياني:
قد تقودنا معاني الآيات إلى اكتشاف معجزة عددية! وهذا ما نجده في قصة أصحاب الكهف، فجميعنا يعلم بأن أصحاب الكهف قد لبثوا في كهفهم 309 سنوات. وهذا بنص القرآن الكريم, يقول تعالى(وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً) (الكهف: 25).
فالقصة تبدأ بقوله تعالى: (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً * إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً * فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً * ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً......) (الكهف: 9-13).
وتنتهي عند قوله تعالى: (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً* قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً) (الكهف:25-26).
والسؤال: هل هنالك علاقة بين عدد السنوات التي لبثها أصحاب الكهف، وبين عدد كلمات النص القرآني؟ وبما أننا نستدلّ على الزمن بالكلمة فلا بد أن نبدأ وننتهي بكلمة تدل على زمن. وبما أننا نريد أن نعرف مدة ما (لبثوا) إذن فالسرّ يكمن في هذه الكلمة.
فلو تأملنا النص القرآني الكريم منذ بداية القصة وحتى نهايتها، فإننا نجد أن الإشارة القرآنية الزمنية تبدأ بكلمة (لبثوا) وتنتهي بالكلمة ذاتها، أي كلمة(لبثوا).
والعجيب جداً أننا إذا قمنا بعدّ الكلمات مع عد واو العطف كلمة مستقلة، من كلمة (لبثوا) الأولى وحتى كلمة (لبثوا) الأخيرة، فسوف نجد بالتمام والكمال 309 كلمات بعدد السنوات التي لبثها أصحاب الكهف!!!
وهذا هو النص القرآني لمن أحب التأكد من صدق هذه الحقيقة:
(إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً{10} فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً{11} ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا
لَبِثُوا*أَمَداً*نَحْنُ*نَقُصُّ*عَلَيْ كَ*نَبَأَهُم*بِالْحَقِّ*إِنَّه ُمْ*فِتْيَةٌ*آمَنُوا*10
بِرَبِّهِمْ*وَ*زِدْنَاهُمْ*هُد ًى*و*رَبَطْنَا*عَلَى*قُلُوبِهِ مْ*إِذْ*قَامُوا*20
فَقَالُوا*رَبُّنَا*رَبُّ*السَّ مَاوَاتِ*وَ*الْأَرْضِ*لَن*نَّد ْعُوَ*مِن*دُونِهِ*30
إِلَهاً*لَقَدْ*قُلْنَا*إِذاً*ش َطَطاً*هَؤُلَاء*قَوْمُنَا*اتَّ خَذُوا*مِن*دُونِهِ*40
آلِهَةً*لَّوْلَا*يَأْتُونَ*عَل َيْهِم*بِسُلْطَانٍ*بَيِّنٍ*فَم َنْ*أَظْلَمُ*مِمَّنِ*افْتَرَى* 50
عَلَى*اللَّهِ*كَذِباً*وَ*إِذِ* اعْتَزَلْتُمُوهُمْ*وَ*مَا*يَعْ بُدُونَ*إِلَّا*60
اللَّهَ*فَأْوُوا*إِلَى*الْكَهْ فِ*يَنشُرْ*لَكُمْ*رَبُّكُم*مِّ ن*رَّحمته*و*70
يُهَيِّئْ*لَكُم*مِّنْ*أَمْرِكُ م*مِّرْفَقاً*وَ*تَرَى*الشَّمْس َ*إِذَا*طَلَعَت*80
تَّزَاوَرُ*عَن*كَهْفِهِمْ*ذَات َ*الْيَمِينِ*وَ*إِذَا*غَرَبَت* تَّقْرِضُهُمْ*ذَاتَ*90
الشِّمَالِ*وَ*هُمْ*فِي*فَجْوَة ٍ*مِّنْهُ*ذَلِكَ*مِنْ*آيَاتِ*ا للَّهِ*100
مَن*يَهْدِ*اللَّهُ*فَهُوَ*الْم ُهْتَدِ*وَ*مَن*يُضْلِلْ*فَلَن* تَجِدَ*110
لَهُ*وَلِيّاً*مُّرْشِداً*وَ*تَ حْسَبُهُمْ*أَيْقَاظاً*وَ*هُمْ* رُقُودٌ*وَ*120
نُقَلِّبُهُمْ*ذَاتَ*الْيَمِينِ *وَ*ذَاتَ*الشِّمَالِ*وَ*كَلْبُ هُم*بَاسِطٌ*ذِرَاعَيْهِ*130
بِالْوَصِيدِ*لَوِ*اطَّلَعْتَ*ع َلَيْهِمْ*لَوَلَّيْتَ*مِنْهُمْ *فِرَاراً*وَ*لَمُلِئْتَ*مِنْهُ مْ*140
رُعْباً*وَ*كَذَلِكَ*بَعَثْنَاه ُمْ*لِيَتَسَاءلُوا*بَيْنَهُمْ* قَالَ*قَائِلٌ*مِّنْهُمْ*كَمْ*1 50
لَبِثْتُمْ*قَالُوا*لَبِثْنَا*ي َوْماً*أَوْ*بَعْضَ*يَوْمٍ*قَال ُوا*رَبُّكُمْ*أَعْلَمُ*160
بِمَا*لَبِثْتُمْ*فَابْعَثُوا*أ َحَدَكُم*بِوَرِقِكُمْ*هَذِهِ*إ ِلَى*الْمَدِينَةِ*فَلْيَنظُرْ* أَيُّهَا*170
أَزْكَى*طَعَاماً*فَلْيَأْتِكُم *بِرِزْقٍ*مِّنْهُ*وَ*لْيَتَلَط َّفْ*وَ*لا*يُشْعِرَنَّ*180
بِكُمْ*أَحَداً*إِنَّهُمْ*إِن*ي َظْهَرُوا*عَلَيْكُمْ*يَرْجُمُو كُمْ*أَوْ*يُعِيدُوكُمْ*فِي*190
مِلَّتِهِمْ*وَ*لَن*تُفْلِحُوا* إِذاً*أَبَداً*وَ*كَذَلِكَ*أَعْ ثَرْنَا*عَلَيْهِمْ*200
لِيَعْلَمُوا*أَنَّ*وَعْدَ*اللّ َهِ*حَقٌّ*وَ*أَنَّ*السَّاعَةَ* لَا*رَيْبَ*210
فِيهَا*إِذْ*يَتَنَازَعُونَ*بَي ْنَهُمْ*أَمْرَهُمْ*فَقَالُوا*ا بْنُوا*عَلَيْهِم*بُنْيَاناً*رّ َبُّهُمْ*220
أَعْلَمُ*بِهِمْ*قَالَ*الَّذِين َ*غَلَبُوا*عَلَى*أَمْرِهِمْ*لَ نَتَّخِذَنَّ*عَلَيْهِم*مَّسْجِ داً*230
سَيَقُولُونَ*ثَلاثَةٌ*رَّابِعُ هُمْ*كَلْبُهُمْ*وَ*يَقُولُونَ* خَمْسَةٌ*سَادِسُهُمْ*كَلْبُهُم ْ*رَجْماً*240
بِالْغَيْبِ*وَ*يَقُولُونَ*سَبْ عَةٌ*وَ*ثَامِنُهُمْ*كَلْبُهُمْ *قُل*رَّبِّي*أَعْلَمُ*250
بِعِدَّتِهِم*مَّا*يَعْلَمُهُمْ *إِلَّا*قَلِيلٌ*فَلَا*تُمَارِ* فِيهِمْ*إِلَّا*مِرَاء*260
ظَاهِراً*وَ*لَا*تَسْتَفْتِ*فِي هِم*مِّنْهُمْ*أَحَداً*وَ*لَا*ت َقُولَنَّ*270
لِشَيْءٍ*إِنِّي*فَاعِلٌ*ذَلِكَ *غَداً*إِلَّا*أَن*يَشَاءَ*اللّ َهُ*وَ*280
اذْكُر*رَّبَّكَ*إِذَا*نَسِيتَ* وَ*قُلْ*عَسَى*أَن*يَهْدِيَنِ*ر َبِّي*290
لِأَقْرَبَ*مِنْ*هَذَا*رَشَداً* وَ*لَبِثُوا*فِي*كَهْفِهِمْ*ثَل اثَ*مِئَةٍ*300
سِنِينَ*وَ*ازْدَادُوا*تِسْعاً* قُلِ*اللَّهُ*أَعْلَمُ*بِمَا*لَبِثُوا*309
إذن البعد الزمني للكلمات القرآنية بدأ بكلمة (لبثوا) وانتهى بكلمة (لبثوا)، وجاء عدد الكلمات من الكلمة الأولى وحتى الأخيرة مساوياً للزمن الذي لبثه أصحاب الكهف.
والعجيب أيضاً أن عبارة (ثلاث مئة) في هذه القصة جاء رقمها 300 ، وهذا يدلّ على التوافق والتطابق بين المعنى اللغوي والبياني للكلمة وبين الأرقام التي تعبر عن هذه الكلمة
اللمســـــــــــــات البيانية في بعض الأيات:
في سورة الكهف قال الله تعالى (ماكثين فيه أبدا) آية 3 فلماذا لم تستخدم كلمة (خالدين)؟
المكث في اللغة هو الأناة واللبث والإنتظار وليس بمعنى الخلود أصل المكث. الله تعالى يقصد الجنّة (ان لهم أجراً حسنا) والأجر الذي يُدفع مقابل العمل وننظر ماذا يحصل بعد الأجر. والجنّة تكون بعد أن يوفّى الناس أجورهم وفي الآية قال تعالى (أجراً حسناً) فالمقام هنا إذن مقام انتظار وليس مقام خلود بعد وعلى قدر ما تأخذ من الأجر يكون الخلود فيما بعد الأجر وهو الخلود في الجنّة. ومن حيث الدلالة اللغوية الأجر ليس هو الجنّة لذا ناسب أن يأتي بالمكث وليس الخلود للدلالة على الترقّب لما بعد الأجر.
ما دلالة كلمة (لنعلم) في آية سورة الكهف (ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً {12})؟
لماذا جاءت كلمة ليعلم مع أن الله تعالى يعلم كل شيئاً مسبقاً؟ قال تعالى في سورة الكهف (ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً {12}) والعلم قسمان قسم يتعلق به الجزاء وقسم يعلمه الله ابتداء لا يتعلق بالجزاء. ما يفعله الإنسان هو من علم الله لكن حتى ما فعله الإنسان يتعلق به الجزاء وهناك علم آخر سابق والله يعلم في القدر كل شيء وهو العلم الذي قضاه الله تعالى وما يفعله الإنسان وما يعلمه هو تصديق لعلم الله هذا. وقوله تعالى لنعلم أي الحزبين يعني لنعلم أي منهم يعلم الحقيقة لأن هناك ثلاثة أقوال كل قسم قال شيئاً فمن الذي يعلم الحقيقة؟ الله تعالى هذا العلم الذي يقوله بعد الوقوع لأنه علِم ذلك قبل الوقوع. إذن هناك علمان علم سابق قديم الذي سجّل فيه الله تعالى القدر وعلم لاحق يحقق هذا العلم وهو الذي يتعلق به الجزاء.
في سورة الكهف ما دلالة حرف العطف واو في قوله (سبعة وثامنهم كلبهم) مع أنها لم ترد فيما قبلها (ثلاثة رابعهم كلبهم وخمسة سادسهم كلبهم)؟
الواو تفيد التوكيد والتحقيق كما صرّح المفسرون أي كأنها تدل على أن الذين قالوا أن أصحاب الكهف كانوا سبعة وثامنهم كلبهم هم الذين قالوا القول الصحيح الصواب ومنهم الزمخشري. الواو إذن هي واو الحال ولكنها أفادت التوكيد والتحقيق بأن هذا القول صحيح لآن الواو يؤتى بها إذا تباعد معنى الصفات للدلالة على التحقيق والإهتمام
ماذا عن ربط المستقبل بـ(غد) فقط في قوله تعالى (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) الكهف) ؟
غداً في الآية موضع السؤال لا تعني بالضرورة الغد أي اليوم الذي يلي وإنما قد تفيد المستقبل وهي مناسبة لما وقع وما سيقع.
سؤال 9: لماذا قدّم البصر على السمع في آية سورة الكهف ؟
قال تعالى في سورة الكهف (قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً {26}) المعلوم أن الأكثر في القرآن تقديم السمع على البصر لأن السمع أهم من البصر في التكليف والتبليغ لأن فاقد البصر الذي يسمع يمكن تبليغه أما فاقد السمع فيصعب تبليغه ثم إن مدى السمع أقل من مدى البصر فمن نسمعه يكون عادة أقرب ممن نراه، بالإضافة إلى أن السمع ينشأ في الإنسان قبل البصر في التكوين. أما لماذا قدّم البصر على السمع في الأية المذكورة فالسبب يعود إلى أنه في آية سورة الكهف الكلام عن أصحاب الكهف الذين فروا من قومهم لئلا يراهم أحد ولجأوا إلى ظلمة الكهف لكيلا يراهم أحد لكن الله تعالى يراهم في تقلبهم في ظلمة الكهف وكذلك طلبوا من صاحبهم أن يتلطف حتى لا يراه القوم إذن مسألة البصر هنا أهم من السمع فاقتضى تقديم البصر على السمع في الآية.
ما إعراب كلمة (كلمة) في قوله تعالى (كبرت كلمة تخرج من أفواههم) سورة الكهف؟
كلمة هي تمييز، الفاعل ضمير مستتر ويأتي التمييز ليفسرها وتسمى في النحو: الفاعل المفسّر بالتمييز.
ما إعراب (أيّ) في الآية (لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أبدا) في سورة الكهف؟
أي: هي مبتدأ. وهي من أسماء الإستفهام وكل الأسماء التي لها صدر الكلام لا يعمل بها ما قبلها إلا حروف الجرّ ولكن يعمل فيها ما بعدها (ولتعلمنّ أيّنا أشدّ عذاباً وأبقى).
وهذا مااستخرجة الشيخ الشعرواي في خواطره حيث قال:
ختم الحق سبحانه سورة الإسراء بالحمد، وبدأ سورة الكهف بالحمد، والحمد لله دائماً هو الشعار الذي أطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم في خير الكلمات: "سبحان الله والحمد" سبحان الله بدئت بها سورة الإسراء، والحمد لله بدئت بها سورة الكهف. سبحان الله تنزيه لذاته سبحانه أن يكون له شريك، لا في الذات، ولا في الأفعال، ولا في الصفات، والحمد لله كذلك تكبرة للذات، وبعد ذلك جاء العطاء من الذات فقلنا: الحمد لله، فسبحان الله تنزيه، والحمد لله شكر على العطاء.
والحمد يشترك معه في المعنى العام: ثناء وشكر ومدح، إلا أن هذه الألفاظ وإن تقاربت في المعنى العام فلكل منها معناه الخاص، وكل هذه الألفاظ فيها ثناء، إلا أن الشكر يكون من منعم عليه بنعمة خاصة به، كأن يسدي لك إنسان جميلاً لك وحدك، فتشكره عليه.
أما الحمد فيكون على نعمة عامة لك ولغيرك، فرقعة الحمد أوسع من رقعة الشكر، أما المدح فقد تمدح ما لا يعطيك شيئاً، كأن تمدح مثلاً الشكل الجميل لمجرد أنه أعجبك.
فقول الحق: (الحمد لله) بالألف واللام الدالة على الحصر، فالمراد الحمد المطلق الكامل لله، الحمد المستوعب لكل شيء، حتى إن حمدك لأي إنسان قدم لك جميلاً فهو ـ إذا سلسلته ـ حمد لله تعالى الذي أعان هذا الإنسان على أن يحسن إليك، فالجميل جاء من حركته، وحركته موهوبة له من خالقه، والنعمة التي أمدك بها موهبة من خالقه تعالى، وهكذا إذا سلسلت الحمد لأي إنسان في الدنيا تجده يصل إلى المنعم الأول سبحانه وتعالى.
وكلمة (الحمد لله) هذه هي الصيغة التي علمنا الله أن نحمده بها، وإلا فلو ترك لنا حرية التعبير عن الحمد ولم يحدد لنا صيغة نحمده ونشكره بها لاختلف الخلق في الحمد حسب قدراتهم وتمكنهم من الأداء وحسب قدرتهم على استيعاب النعم، ولوجدنا البليغ صاحب القدرة الأدائية أفصح في العيي والأمي. فتحمل الله عنا جميعاً هذه الصيغة، وجعلها متساوية للجميع، الكل يقول (الحمد لله) البليغ يقولها، والعيي يقولها، والأمي يقولها.
<لذلك يقول صلى الله عليه وسلم وهو يحمد الله ويثني عليه: "سبحانك لا نحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك">
فإن أردنا أن نحصي الثناء عليك فلن نستطيع؛ لأن الثناء عليك لا يعرف مداه إلا أنت، ولا يحصيه غيرك، ولا نملك إلا أن نقول ما علمتنا من حمدك: الحمد لله.
إذن: فاستواء الناس جميعاً في الحمد لله نعمة كبرى في ذاتها تستحق الحمد، فنقول: الحمد لله على ما علمنا من الحمد لله، والحمد الأول أيضاً نعمة، وبذلك نقول: الحمد لله على ما علمنا من الحمد لله بالحمد لله.
وهكذا، لو تتبعت الحمد لوجدته سلسلة لا تنتهي، حمد على حمد على حمد على حمد، فيظل الله محموداً دائماً، يظل العبد حامداً إلى ما لا نهاية.
2-اختصاص الاسم العلم (الله) بالذكر، دون سائر أسمائه االحسنى وصفاته
فكان يمكن أن يقال (الحمد للحي، الحمد للرحيم، الحمد للبارئ، ..)
ولكن لو حدث ذلك لأفهم أن الحمد إنما استحقه لهذا الوصف دون غيره، فجاء بالاسم العلم ليدل على أنه استحق الحمد لذاته هو لا لصفة من صفاته
ـ ثم إن ذكر لفظ الجلالة (الله) يناسب سياق الآيات، فسيأتي بعدها بقليل "إياك نعبد وإياك نستعين" ولفظ الجلالة (الله) مناسب للعبودية، لأنه مأخوذ من لفظ الإله أي المعبود، وقد اقترنت العبادة باسمه أكثر من خمسين مرة في القرآن
3- العبودية من : العبادة هى اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والاعمال الباطنة والظاهرة فالصلاة والزكاة والصيام والحج وصدق الحديث وأداء الامانة وبر الوالدين وصلة الأرحام والوفاء بالعهود والامر بالمعروف والنهى عن المنكر والجهاد للكفار والمنافقين والاحسان الى الجار واليتيم والمسكين وابن السبيل والمملوك من الآدميين والبهائم والدعاء والذكر والقراءة وامثال ذلك من العبادة وكذلك حب الله ورسوله وخشية الله والانابة إليه واخلاص الدين له والصبر لحكمه والشكر لنعمه والرضا بقضائه والتوكل عليه والرجاء لرحمته والخوف لعذابه وامثال ذلك هى من العبادة لله.
انتهى
وقد اخلص الرسول في العبودية لله تعالى .... وهذا اللفظ (عبده) تكرر في الكثير من الأيات وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحب ان ينادوه اصحابه بعبد الله تواضعا منه عليه افضل الصلاة والتسليم
والفائدة هنا هل اخلصنا نحن ايضا عبادتنا لله تعالى فالعبادة معنى واسع وقد وضعت له مبادئ اذكر منها:
نستعين بالله ونستنصره.. ونعوذ به أن نقول زورا أو نغشى فجورا أو أن نكون مغرورين..
نتجه إليه ونتوكل عليه ونبدأ باسمه الرحمن الرحيم..
نبدأ في كل أمر من أمور حياتنا
وفي كل حديث من أحاديثنا
ونحن نطلب رحمة ومغفرة وتوفيقا في رسالتنا على هذه الأرض التي خلقنا من أجلها.. وتواجدَنا لتحقيقها. ......
4-الإنذار والتخويف
الإنذار: التخويف بشر قادم، والمنذر هنا هم الكفار؛ لأنه لا ينذر بالعذاب الشديد إلا الكفار، لكن سياق الآية لم يذكرها للذهن أن يعمل، وأن يستقبل القرآن بفكر متفتح وعقل يستنبط، وليس بالضرورة أن يعطينا القرآن كل شيء هكذا على طرف الثمام أي قريباً سهل التناول.
ثم ضخم العذاب بأنه شديد، ليس ذلك وفقط بل (من لدنا)، والعذاب يتناسب مع المعذب وقوته، فإن كان العذاب من الله فلا طاقة لأحد به، ولا مهرب لأحد منه.
5-البشارة:والبشارة تكون بالخير المنتظر في المستقبل، وتلاحظ أنه في البشارة ذكر المبشر (المؤمنين) ولم يسكت عنهم كما سكت عن الكفار في الإنذار، فهذا من رحمة الله بنا حتى في الأسلوب، والبشارة هنا بالأجر الحسن؛ لأنه أجر من الكريم المتفضل سبحانه
6- تعظيم الأجر الأخروي:
ماكثين: باقين فيه بقاءً أبدياً، وكان لابد أن يوصف أجر الله الحسن بأنه دائم، وأنهم ماكثون فيه أبداً؛ لأن هناك فرقاً بين أجر الناس للناس في الدنيا، وأجر المنعم سبحانه في الآخرة، لقد ألف الناس الأجر على أنه جعل على عمل، فعلى قدر ما تعمل يكون أجرك، فإن لم تعمل فلا أجر لك.
أما أجر الله لعباده في الآخرة فهو أجر عظيم دائم، فإن ظلمك الناس في تقدير أجرك في الدنيا، فالله تعالى عادل لا يظلم يعطيك بسخاء؛ لأنه المنصف المتفضل، وإن انقطع الأجر في الدنيا فإنه دائم في الآخرة؛ لأنك مهما أخذت من نعيم الدنيا فهو نعيم زائل، إما أن تتركه، وإما أن يتركك.
7- التخصيص بعد التعميم في الإنذار
الإنذار هنا غير الإنذار الأول، لقد كرر الإنذار ليكون خاصاً بقمة المعاصي، إنذار للذين قالوا اتخذ الله ولداً، أما الإنذار الأول فهو لمطلق الكفر والمعصية، وأما الثاني فهو لإعادة الخاص مع العام، كأن لهؤلاء الذين نسبوا لله الولد عذاباً يناسب ما وقعوا فيه من جرأة على الحق سبحانه وتعالى
8- عظم شأن التحدث بدون علم
كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً
وعدم العلم ينشأ من أمرين: إما أن الشيء موجود وأنت لا تعلم به؛ لأنه مستور عنك، وإما لأن الشيء لا وجود له أصلاً، وأنت لا تعلم أنه غير موجود؛ لأن غير الموجود لا يمكن أن يتعلق به
فالعاقل قبل أن يتكلم يدير الكلام على ذهنه ويعرضه على تفكيره
وهنا يتقرر في الأية 5 انه لابد لنا من حفظ السنتنا من القول الذي لاحاجة فيه
وتعظيم القول الكذب
9- الإشفاق على رسول الله صلى الله عليه وسلم
لأنه حمل نفسه في سبيل هداية قومه ما لا يحمله الله ويلزم ما لا يلزمه، فقد كان صلى الله عليه وسلم يدعو قومه فيعرضوا ويتولوا عنه فيشيع آثارهم بالأسف والحزن، كما يسافر عنك حبيب أو عزيز، فتسير على أثره تملؤك مرارة الأسى والفراق، فكأن رسول الله لحبه لقومه وحرصه على هدايتهم يكاد يهلك نفسه (أسفاً).
والأسف: الحزن العميق
10- حقيقة الزينة والبلاء في الأرض
إشارة لرسول الله بأن الدنيا قصيرة، فالمسألة ـ إذن ـ قريبة فلا داعي لأن يهلك نفسه حزناً على عناد قومه، فالدنيا لكل إنسان مدة بقائه بها وعيشه فيها، ولا دخل له بعمرها الحقيقي؛ لأن حياة غيره لا تعود عليه بشيء، وعلى هذا فما أقصر الدنيا، وما أسرع انتهائها، ثم يرجعون إلينا فنجازيهم بما عملوا، فلا تحزن ولا تيأس، ولا تكدر نفسك، لأنهم لم يؤمنوا.
كل ما على الأرض هو زينة، والزينة هي الزخرف الذي يبرق أمام الأعين فيغريها، ثم يندثر ويتلاشى، وقد أوضح لنا القرآن هذه المسألة في قوله تعالى
البلاء يعني: الاختبار والامتحان. وليس المصيبة كما يظن البعض؛ لأن المصيبة تكون على من يخفق في الاختبار
فوائد في قصة اصحاب الكهف:
1- التوكل على الله حق التوكل والثقة به سبحانه وتعالى والذي تجلى في أبهى صوره حين ترك الفتية جميع ملذات الدنيا وفروا بدينهم طالبين بذلك العون والرضى والرشاد من الله تعالى
2- عَظم شأن من أدرك شبابه في طاعة الله
يقول الشيخ الشعراوي:
والشباب هم معقد الآمال في حمل الأعباء والنهوض بكل أمر صعب، وهؤلاء شباب مؤمن وقفوا يحملون راية عقيدتهم وإيمانهم أمام جبروت الكفر وطغيان الشرك، فالفتاء فيهم فتاء إيمان وعقيدة.
لذلك لجأوا إلى الكهف مخلفين وراءهم أموالهم وأهلهم وكل ما يملكون، وفروا بدينهم إلى هذا المكان الضيق الخالي من أي مقوم من مقومات الحياة؛ لأنهم لا يشغلون أنفسهم بهذه المقومات، بل يعلمون أن لهم رباً سيتولى أمرهم؛ لذلك ضرعوا إليه قائلين:
{ربنا آتنا من لدنك رحمة .. "10"}
أي: رحمة من عندك، أنت ترحم بها ما نحن فيه من انقطاع عن كل مقومات الحياة، فالرحمة في فجوة الجبل لن تكون من البشر، الرحمن هنا لا تكون إلا من الله:
{وهيئ لنا من أمرنا رشداً .. "10"}
أي: يسر لنا طريقاً سديداً للخير وللحق.
إن هؤلاء الفتية المؤمنين حينما ألجأهم الكفر إلى ضيق الكهف تضرعوا واتجهوا إلى ربهم، فهو وحده القادر على أن يوسع عليهم هذا الضيق.
3- ضبط النفس من صفات المؤمن التقي
وهذا ماتجلى في قوله تعالى (وربطنا على قلوبهم)
لتظل بداخلها العقيدة والإيمان بالله لا تتزعزع ولا تخرجها الأحداث والشدائد، وهذا من زيادة الهدى الذي أخبرت به الآية السابقة. وقوله تعالى:
(إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض .. "14"}
قاموا: القيام هنا دليل على مواجهتهم للباطل ووقوفهم في وجهه، وأن الباطل أفزعهم فهبوا للتصدي له بقولهم:
{رب السماوات والأرض .. "14"}
ولابد أنهم سمعوا كلاماً يناقض قولهم، وتعرضوا في دعوتهم للحرب والاضطهاد، فالآية تعطي صورة لفريقين: فريق الكفر الذي ينكر وجود الله أو يشرك به، وفريق الإيمان الذي يعلنها مدوية:
{ربنا رب السماوات والأرض .. "14"} وإن كان فريق الكفر يدعو إلى عبادة آلهة من دون الله فإن فريق الإيمان يقول:
{لن ندعو من دون إلهاً "14"} فإن ادعينا إلهاً من دون الله
{لقد قلنا إذاً شططاً "14"} أي: فقد تجاوزنا الحد، وبعدنا عن الصواب. ثم يقول الحق سبحانه
ومن هنا نأمر الغاضب الذي تغلي الدماء في عروقه بالهدوء وضبط النفس؛ لأن الهدوء سيعينه على الحق، ويلجم جماح غضبه الذي لا تحمد عقباه، ألا ترى التوجيه النبوي في حال الغضب؟ إنه ينصح بتغيير الوضع الذي أنت عليه؛ لأن هذه العملية تحدث لديك نزوعية، تصرف عنك الغضب
4- تقرير عظِم الشرك ووصفه بالظلم :
{فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً "15"}فأفظع الظلم وأقبحه أن نفتري على الله الكذب، كما قال تعالى:
{إن الشرك لظلم عظيم }
5-توضيح مفهوم الهداية والضلال
{ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً "17"}
فقضية الهداية والإضلال قائمة من قديم، ولا تزال ذيول هذه المعركة موجودة إلى الآن، فهناك دائماً من يقول: إذا كان الله هو الهادي والمضل، فلماذا يعذبني إن ضللت؟
وشاع هذا السؤال وأخذه المستشرقون والفلاسفة، ويراد منه إيجاد مبرر للنفس العاصية غير الملتزمة، ونقول لكل مجادل: لماذا قصرت الاعتراض على مسألة الضر والعذاب إن ضللت؟ ولماذا لم تذكر الثواب إن أحسنت وآمنت؟ إن اقتصارك على الأولى دون الثانية دليل على أن الهداية التي جاءت لك هي مكسب تركته وأخذت المسألة التي فيها ضرر، ولا يقول ذلك إلا المسرفون على أنفسهم.
والهداية نوعان: هداية دلالة، وهي للجميع، للمؤمن والكافر؛ لأن الحق سبحانه لم يدل المؤمن فقط، بل يدل المؤمن والكافر على الإيمان به، فمن يقبل على الإيمان به، فإن الحق تبارك وتعالى يجد فيه أهلاً للمعونة، فيأخذ بيده ويعينه، ويجعل الإيمان خفيفاً على قلبه، ويعطي له طاقة لفعل الخير، ويشرح له صدره وييسر له أمره.
فمن شاء الحق سبحانه هدايته أعطاه الهداية، ومن شاء له الضلال زاده ضلالاً، وقد بين أن من شاء هدايته يهتدي، وهذه معونة من الله، والكافر لا يهتدي، وكذلك الظالم والفاسق، لأنه سبحانه قد ترك كل واحد منهم لاختياره، وهكذا يمنع الحق سبحانه عنهم هداية المعونة
6- الإيمان بالبعث:
قوله: (بعثناهم) أي: أيقظناهم من نومهم؛ لأن نومهم الطويل الذي استغرق ثلاثمائة سنة وتسعاً أشبه الموت، فقال (بعثناهم)، والبعث هنا لقضية خاصة بهم
7- الإيمان بقدرة الله تعالى المتجليه في نومهم 309 سنوات دون تغير اجسادهم ودون فناءها:
فلم يجدوا في ذواتهم شيئاً يدل على مرور زمن طويل، حيث وجدوا أنفسهم على الحال التي ناموا عليها، فلم يتغير مثلاً حالهم من الشباب إلى الشيخوخة، ولم يتغير شعرهم مثلاً إلى البياض؛ لذلك قالوا: لبثنا يوماً أو بعض يوم، ولو وجدوا أنفسهم شيباً لقدروا الزمن المناسب لهذا الشيب.
وهذه وقفة المشدوه حين يسأل عن زمن لا يدري مدته، إنه طويل عند الله إنما قصير عنده،
8- ترك الحديث فيما لا ينفع والبحث فيما ينفع
في قوله تعالى( قالوا ربكم أعلم بما لبثتم )
وهو قول الجماعة الذين أرادوا إنهاء الخلاف في هذه المسألة، فقالوا لإخوانهم: دعونا من هذه القضية التي لا تفيد، واتركوا أمرها لله تعالى. ودائماً يأمرنا الحق سبحانه بأن ننقل الجدل من شيء لا ننتهي فيه إلى شيء، ونحوله للأمر المثمر النافع؛ لذلك قالوا:
{فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا "19"}
وايضا في الاية الكريمة:
سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحداً
9- البحث عن الكسب الحلال:
فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما
أن الجوع لم يحملهم على طلب مطلق الطعام، بل تراهم حريصين على تزكية طعامهم واختيار أطيبه وأطهره، وأبعده عن الحرام.
10_ أخذ الحيطة والحذر في الحفاظ على دينهم من الفتن :
وكذلك لم يفتهم أن يكونوا على حذر من قومهم، فمن سيذهب منهم إلى هذه المهمة عليه أن يدخل المدينة خلسة، وأن يتلطف في الأمر حتى لا يشعر به أحد من القوم، ذلك لأنهم استيقظوا على الحالة التي ناموا عليها، ومازالوا على حذر من قومهم يظنون أنهم يتتبعونهم ويبحثون عنهم، ويسعون للقضاء عليهم.
(إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبداً )
وهذا احتياط منهم للدين، وحماية للعقيدة التي فروا بها. فإن يرجموكم فسينتصرون عليكم في الدنيا، إنما ستأخذون الآخرة، وإن ردوكم إلى دينهم، فلن تفلحوا في الدنيا ولا في الآخرة.
11- الرفعة والعزة لمن فر الى الله والتجاء به :
في قوله تعالى :
إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم .. "21"}
حدث هذا التنازع من الجماعة الذين عثروا عليهم، ويبدو أنهم كانوا على مسحة من الدين، فأرادوا أن يحافظوا على هذه الآية الإلهية، ويصح أنهم بمجرد أن عثروا عليهم قضى أجلهم فماتوا.
وهذه مسألة يجب أن يؤرخ لها، وأن تخلد؛ لذلك جعلوها مثلاً شروداً للعالم كله لتعرف قصة هؤلاء الفتية الذين ضحوا في سبيل عقيدتهم وفروا بدينهم من سعة الحياة إلى ضيق الكهف؛ ليكونوا مثلاً لكل أهل العقيدة، ودليلاً على أن الله تعالى ينصر أهله ويدافع عنهم ويخلد ذكراهم إلى قيام الساعة
12- تقديم مشيئة الله في الامور المستقبلية:
تتجلى في هذه الآية رحمة الله بالمحبوب محمد صلى الله عليه وسلم فلم يرد سبحانه وتعالى أن يصدم رسوله بمسألة المخالفة هذه، بل أعطاه ما أراد، وأجابه إلى ما طلب من مسألة أهل الكهف، ثم في النهاية ذكره بهذه المخالفة في أسلوب وعظ رقيق
وقد سبق أن ذكرنا أنه صلى الله عليه وسلم حينما سأله القوم عن هذه القصة قال: سأجيبكم غداً ولم يقل: إن شاء الله. فلم يعاجله الله تعالى بالعتاب، بل قضى له حاجته، ثم لفت نظره إلى أمر هذه المخالفة، وهذا من رحمة الله برسوله صلى الله عليه وسلم.
(هذه النقطة أعجبتني جدا فانظروا لعظمة وشأن الرسول صلى الله عليه وسلم)
13- مراعاة الله للانسان لما يحدث له من نسيان:
واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشداً "24")
أي: على فرض أنك نسيت المشيئة ساعة البدء في الفعل، فعليك أن تعيدها ثانية لتتدارك ما حدث منك من نسيان في بداية الأمر. وقوله تعالى:
{وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشداً .. "24"}
أي: يهديني ويعينني، فلا أنسى أبداً، وأن يجعل ذكره لازمة من لوازمي في كل عمل من أعمالي فلا أبدأ عملاً إلا بقوله: إن شاء الله.
14- سعة وشمول علم الله تعالى:
ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعاً"25") وهذه الآية تعطينا لقطة من المذكرة التفصيلية التي أعطاها الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم عن أهل الكهف، وهي تحدد عدد السنين التي قضاها الفتية في كهفهم بأنها ثلاثمائة سنة، وهذا هو عددها الفعلي بحساب الشمس.
لذلك؛ فالحق سبحانه لم يقل ثلاثمائة وتسعاً، بل قال:
{وازدادوا تسعاً "25"}
(سورة الكهف)
ولما سمع أهل الكتاب هذا القول اعترضوا وقالوا: نعرف ثلاثمائة سنة، ولكن لا نعرف التسعة؛ ذلك لأن حسابهم لهذه المدة كان حساباً شمسياً.
ومعلوم أن الخالق سبحانه حينما خلق السماوات والأرض قسم الزمن تقسيماً فلكياً، فجل الشمس عنواناً لليوم، نعرفه بشروقها وغروبها، ولما كانت الشمس لا تدلنا على بداية الشهر جعل الخالق سبحانه الشهر مرتبطاً بالقمر الذي يظهر هلالاً في أول كل شهر
فلو حسبت الثلاثمائة سنة هذه بالحساب القمري لوجدتها ثلاثمائة سنة وتسعاً، إذن: هي في حسابكم الشمسي ثلاثمائة سنة، وفي حسابنا القمري ثلاثمائة وتسعاً. ونعرف أن السنة الميلادية تزيد عن الهجرية بأحد عشر يوماً تقريباً في كل عام
وهنا لفتة جميلة :
نحن كمسلمين نلتزم بالتوقيت القمري (بالاهلة ) لماذا؟؟
ومن حكمة الخالق سبحانه أن ترتبط التوقيتات في الإسلام بالأهلة، ولك أن تتصور لو ارتبط الحج مثلاً بشهر واحد من التوقيت الشمسي في طقس واحد لا يتغير، فإن جاء الحج في الشتاء يظل هكذا في كل عام، وكم في هذا من مشقة على من لا يناسبهم الحج في فصل الشتاء. والأمر كذلك في الصيام.
أما في التوقيت القمري فإن هذه العبادات تدور بمدار العام، فتأتي هذه العبادات مرة في الصيف، ومرة في الخريف، ومرة في الشتاء، ومرة في الربيع، فيؤدي كل إنسان هذه العبادة في الوقت الذي يناسبه
15-الأطمئنان لــعبادة الله تعالى وفي تصديق ماأنزل به حيث ذكر سبحانه:
{ما لهم من دونه من وليٍ ولا يشرك في حكمه أحداً "26"}
(سورة الكهف)
كأن الحق سبحانه وتعالى يطمئن عباده بأن كلامه حق لا يتغير ولا يتبدل؛ لأنه سبحانه واحد أحد لا شريك له
وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا
وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا
أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا
يتبع