بسم اللة الرحمن الرحيم
لنبدا
اجتماعُ الأسرة المسلمة حول مائدة الإفطار يدفع الكثيرَ من الأطفال إلى الصيام؛ إما بدافع التجربة، أو تقليدًا للكبار، أو للفْت النظر إليهم بأنهم قد كبروا.
وقد تقلق بعضُ الأمهات على صحة أطفالهن الذين يصرُّون على الصيام، فهل يؤثِّر الصيام سلبًا على صحة الطفل؟ وهل يستطيع الطفل تحمُّلَ الصيام؟
إرشادات طبية:إذا استطاع الطفل اجتيازَ التجرِبة، وكان يتمتَّع بصحة جيدة تؤهِّله للاستمرار في الصيام، ينبغي على الأهل تشجيعُه، والإشراف على غذائه، خاصةً وجبةَ السحور، التي يجب أن تحتوي على كميات كافية من السكريات، التي تمد جسمَ الطفل بالطاقة اللازمة لنشاطه خلال النهار؛ حتى لا يشعر بالتعب.
فإذا أخذ كمية كافية من الغذاء والراحة، ونام مبكرًا، يستطيع الاستمرار في الصيام دون التعرض لأي مشاكلَ صحيةٍ؛ وذلك لأن الصيام يقلِّل من السكريات في الجسم، والطفل يحتاج لسكريات أكثر؛ لأن حركته أكثرُ من الشخص البالغ؛ لذلك فإن صيام الطفل يُفقده الكثيرَ من السكريات، فيشعر بالتعب والهزال.
كما أن الطفل لا يُدرك كل الجوانب المتعلقة بالصيام، كتقديره لفترة الصيام، وتناوُل كل ما يحتاج إليه الجسم.
فإذا كانت هناك متابعةٌ من الأهل، وإشراف على نوعية طعامه الذي يتناوله، يستطيع الطفل مواصلةَ صيامه دون إرهاق أو مضاعفات.
تحذير:ولكنَّ هناك أطفالاً يعانون أمراضًا، وهؤلاء لا يحقُّ لهم الدخول في تجربة الصيام إطلاقًا؛ لأن تأثير الصيام عليهم سيكون خطيرًا، ومنهم الأطفال الذين يعانون قصورًا في وظائف الكلى، والمصابون بالأنيميا المنجلية، وهؤلاء إذا نقصت السوائل في أجسامهم يدخلون في نوبة من آلام المفاصل، كذلك الأطفال الذين يعانون مرض السكري.
السن المناسبة لصيام الطفل:
يقول الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: "والصغير لا يلزمه الصوم حتى يَبلُغ، ولكن يُؤمَر به متى أطاقه؛ ليتمرَّن عليه ويعتاده، فيسهل عليه بعد البلوغ، وقد كان الصحابة - رضي الله عنهم - وهم خير هذه الأمة، يصوِّمون أولادهم وهم صغار" اهـ[1].
وسئل الشيخ - رحمه الله تعالى -: طفلي الصغير يصر على صيام رمضان، رغم أن الصيام يضره؛ لصغر سنه، واعتلالِ صحته، فهل أستخدم معه القسوةَ ليفطر؟
فأجاب: "إذا كان صغيرًا لم يبلغ، فإنه لا يلزمه الصوم، ولكن إذا كان يستطيعه دون مشقة، فإنه يؤمَر به، وكان الصحابة - رضي الله عنهم - يُصوِّمون أولادهم، حتى إن الصغير منهم ليبكي، فيعطونه اللعب؛ يتلهَّى بها، ولكن إذا ثبت أن هذا يضره، فإنه يُمنع منه، وإذا كان الله - سبحانه وتعالى - منعَنَا من إعطاء الصغار أموالَهم؛ خوفًا من الإفساد بها، فإن خوف إضرار الأبدان من باب أولى أن نمنعهم منه.
ولكن المنع يكون عن غير طريق القسوة؛ فإنها لا تنبغي في معاملة الأولاد عند تربيتهم"[2].
ويظنُّ بعض الآباء والأمهات أن الرحمة والشفقة تقتضي عدمَ تصويم أطفالهم، أو عدمَ قيام أبنائهم للصلاة، وهذا خطأ محض من حيث الشرع، ومن حيث التربية.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين: "أوجب الله الصيامَ أداء على كل مسلمٍ، مكلَّفٍ، قادرٍ، مقيم، فأما الصغير الذي لم يبلغ، فإن الصيام لا يجب عليه؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((رُفع القلم عن ثلاثة)) وذكر: ((الصبي حتى يبلغ))، ولكن يجب على وليِّه أن يأمره بالصيام إذا بلغ حدًّا يطيق الصيامَ فيه؛ لأن ذلك من تأديبه وتمرينه على فعْل أركان الإسلام، ونرى بعضَ الناس ربما يترك أولاده، فلا يأمرهم بصلاة ولا صوم، وهذا غلط؛ فإنه مسؤول عن ذلك بين يدي الله - تبارك وتعالى"[3].
وهكذا، فإن تجربة الطفل للصيام يمكن أن تستمر بنجاح، دون أن تترك آثارًا سلبية عليه، وذلك في حال وجدت الاهتمام الكافي من الأسرة بالطفل ورعايته وتشجيعه ومتابعته.
مبارك الشهر الفضيل