أولاً : خروج الدم من الإنسان ، غير دم الحيض والنفاس ؛ كالتبرع بالدم ، أو إخراجه للتحليل ، أو خروجِه بسبب رعاف أو جرح ، أو بالاستحاضة ، وغيرِ ذلك .
لأن الأصل في الأشياء أنها غير مفطرة ، إلا إذا دل الدليل على كونها مفطرة ، ولا دليل .
أما قياس خروج الدم للتبرع والتحليل و ما شابه ذلك على الحجامة فغير مسلم لأمرين :
الأول : أن الفطر بالحجامة أمر تعبدي محض لا يعقل معناه على التفصيل ، وما كان كذلك فإنه لا يجري فيه القياس .
فقد قال صلى الله عليه وسلم : " أفطر الحاجم والمحجوم " أخرجه أبوداود وغيره من حديث ثوبانرضي الله عنه وصححه جمع من الأئمة منهم الإمام أحمد والبخاري .
فمما يؤكد أن العلة تعبدية أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الحجامة مفطرة للحاجم أيضاً ، والدم لا يدخل جوف الحاجم ، ولذلك فإن من يرى التبرع بالدم مفطراً ، فإنه يجعل الفطر خاص بالمتبرع دون الطبيب أو الممرض الذي يقوم بسحب الدم .
وما ذكره بعض أهل العلم في علة الفطر في الحجامة على الحاجم والمحجوم ، فهي محاولة لمعرفة الحكمة في ذلك ولا نستطيع الجزم بما ذكروه لعدم الدليل .
ثانياً : أن قول النبي صلى الله عليه وسلم : " أفطر الحاجم والمحجوم " . منسوخ بحديث ابن عباس رضي الله عنهما : " أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم " أخرجه البخاري . والدليل على كونه ناسخاً حديثان:
الأول : حديث أنس رضي الله عنه قال : " أول ما كرهت الحجامة للصائم : أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم فمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أفطر هذان ، ثم رخص النبي صلى الله عليه وسلم بعدُ في الحجامة للصائم ، وكان أنس يحتجم وهو صائم ". أخرجه الدارقطني ، وصححه ، وأقره البيهقي في السنن الكبرى ، وصححه النووي .
الثاني : حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : " رخص رسول الله في القبلة للصائم ، والحجامة " أخرجه الطبراني والدارقطني ، وقال ابن حزم إسناده صحيح ، وصححه من المعاصرين الألباني رحمه الله . والرخصة لا تكون إلا بعد العزيمة .
والقاعدة أنه إذا وجد حديثان متعارضان ، ولم يمكن الجمع بينهما ،لم يجز إعمال قواعد الترجيح بين الأدلة المتعارضة إلا إذا جهل التاريخ ، وهنا قد علمنا المتقدم من المتأخر فيكون المتأخر ناسخاً للمتقدم ، كيف وحديثا أنس وأبي سعيد صريحان في نسخ الفطر بالحجامة .
ثانياً من الأمور غير المفطرة : كثير من الوسائل العلاجية ، وقد صدر فيها قرار من مجمع الفقه الإسلامي بجدة في دورته العاشرة 1418هـ ، وأنقل هنا أكثر هذا القرار :
" قرر مجلس مجمع الفقه الإسلامي ما يلي :
أولاً : الأمور الآتية لا تعتبر من المفطرات :
1. قطرة العين ، أو قطرة الأذن ، أو غسول الأذن ، أو قطرة الأنف ، أو بخاخ الأنف ، إذا اجتنب ما نفذ إلى الحلق .
2. الأقراص العلاجية التي توضع تحت اللسان لعلاج الذبحة الصدرية ، وغيرها إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق .
3. ما يدخل المهبل من تحاميل ، أو غسول ، أو منظار .
4. إدخال المنظار ، أو اللولب ، ونحوهما إلى الرحم .
5. ما يدخل الإحليل ؛ أي مجرى البول الظاهر للذكر و الأنثى ، أو منظار ، أو دواء ، أو محلول لغسل المثانة .
6. حفر السن ، أو قلع الضرس ، أو تنظيف الأسنان ، أو السواك وفرشاة الأسنان ، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق .
7. المضمضة ، والغرغرة ، وبخاخ العلاج الموضعي للفم إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق .
8. غاز الأكسجين .
9. غازات التخدير ، ما لم يعط المريضُ سوائلَ مغذية .
10. ما يدخل الجسم امتصاصاً من الجلد كالدهونات ، والمراهم واللصقات العلاجية الجلدية المحملة بالمواد الدوائية أو الكميائية .
11. إدخال (أنبوب دقيق ) في الشرايين لتصويرِ ، أو علاجِ أوعية القلب ، أ, غيره من الأعضاء .
12. إدخال منظار من خلال جدار البطن لفحص الأحشاء ، أو إجراء عملية جراحية عليها .
13. أخذ عينات من الكبد ، أو غيره من الأعضاء ، مالم تكن مصحوبة بإعطاء محاليل .
14. دخول أي أداة أو مواد علاجية إلى الدماغ أو النخاع الشوكي .
ثانياً : ينبغي على الطبيب المسلم نصحُ المريض بتأجيل ما لا يضر تأجيله إلى ما بعد الإفطار من صور المعالجات المذكورة فيما سبق " . انتهى قرار المجمع الفقهي .
والدليل على أن ما سبق ليس من المفطرات ؛ أنها ليست أكلاً ولا شرباً ولا في معناهما ، والأصل عدم كون الشيء مفطراً إلا إذا دل الدليل على اعتباره مفطراً ، ولا دليل .
ويلحق بما مضى وبنفس التعليل : مداواة الجروح الغائرة ، والكحل في العين .