حديث النجوم أمان للسماء
لقد جاءت السنة النبوية بمجموعة من الأحاديث الشريفة التي تحتوي على كمٍّ من الحقائق العلمية التي أثبتها العلم التجريبي الحديث؛ منها على سبيل المثال ما رواه أبو بردة عن أبيه، قال: صلينا المغرب مع رسول الله ، ثم قلنا: لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء. قال: فجلسنا، فخرج علينا، فقال:"مَا زِلْتُمْ هَهُنَا؟" قلنا: يا رسول الله، صلينا معك المغرب، ثم قلنا: نجلس حتى نصلي معك العشاء. قال: "أَحْسَنْتُمْ" أو "أَصَبْتُمْ". قال: فرفع رأسه إلى السماء وكان كثيرًا مما يرفع رأسه إلى السماء، فقال:"النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي، فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ"[2].
في هذا الحديث الشريف حقيقة علمية أثبتها العلم الحديث، ألا وهي ذهاب النجوم وانكدارها وطمسها، ثم انفجارها وزوالها بتحوُّلها إلى دُخان السماء.
ونظرًا لضخامة كتل النجوم فإنها تُهيمن بقوى جذبها على كل ما يدور في فلكها من كواكب، وكويكبات، وأقمار، ومذنبات، وغير ذلك من صور المادَّة، والنجوم ترتبط فيما بينها بالجاذبية، وتتجمَّع في وحدات كونية أكبر فأكبر، مرتبطة فيما بينها بالجاذبية أيضًا، فإذا انفرط عقد هذه القوى انهارت النجوم، وانهارت السماء الدُّنيا بانهيارها، وانهار الكون كله بانهيار السماء الدنيا، وهنا تتضح روعة التعبير النبوي الشريف:"النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ..."[3].
وهذا الحديث الشريف إعجاز علمي واضح، فمَنْ أخبر رسولَ الله بسرِّ غريب كهذا من أسرار نشأة الكون وتوازنه؟ وكيف عرف محمد الأميُّ، الذي يعيش في أُمَّة جاهلة لم يقم للعلم فيها راية هذه الحقيقة العلمية الخالدة؟! إنه الله الذي أوحى لنبيه هذا الأمر، فصدق رسوله .
حديث خلق الإنسان
ومن الأحاديث النبوية التي بهرت العلماء غير المسلمين في العصر الحديث، وكانت سببًا في إسلام عدد لا بأس به منهم، قوله : "إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ..."[4].
يوضح حديث رسول الله السابق أن خلق الإنسان يمرُّ بثلاث مراحل، وهي: النطفة، والعلقة، والمضغة، تكتمل خلال الأربعين يومًا الأولى من بدء عملية الإخصاب، والملاحظات العلمية الدقيقة التي تجمّعت لدى العاملين في حقل علم الأجنة البشرية تؤكد ذلك.
وكان بعض علماء الحديث قد فهموا تلك المدة على أنها ثلاث أضعاف ذلك- أي مائة وعشرين يومًا- لأنهم فهموا التعبير بـ "مِثْلَ ذَلِكَ" في نصِّ الحديث على أنها تُشير إلى الفترة الزمنية المحدَّدة بأربعين يومًا لكل مرحلة من المراحل الثلاث: النطفة، والعلقة، والمضغة، وينفي ذلك الفهم حديثٌ آخر لرسول الله قال فيه: "إِذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهَا مَلَكًا، فَصَوَّرَهَا، وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَلَحْمَهَا وَعِظَامَهَا..."[5].
وشكل المضغة لا صلة له بشكل الإنسان من قريب أو بعيد، ولكن تبدأ المضغة في اكتساب الشكل الإنساني بالتدريج في الأيام الخمسة التالية لتخلّق المضغة؛ أي في الفترة من اليوم الأربعين إلى الخامس والأربعين من بعد عملية الإخصاب، وفي اليوم الخامس والأربعين يتم تكوُّن الأعضاء، والهيكل العظمي بصورة ظاهرة، وتستمرُّ عملية الانقسام الخلوي والتمايز الدقيق في الخلق بعد ذلك.
وقد ثبت بالدراسات المستفيضة في مجال علم الأجنة البشرية أن هذه المراحل لا تبدأ إلاَّ مع نهاية مرحلة المضغة، أي مع نهاية الأسبوع السادس من بدء الحمل (بعد ثنتين وأربعين ليلة) وبذلك يثبت صدق رسول الله في الحديثين المذكورين، وفي كل حديث قاله.
كيف عرف محمد رسول الله هذه الدقائق العلمية المعقدة، والمتناهية الدقَّة في خلق الجنين، والتي تتراوح أبعادها بين الجزء من عشرة آلاف جزء من الملليمتر حتى تصل إلى حوالي عشرة ملليمترات فقط؟![6].
وهذه المراحل الجنينية حتى لو نزلت مع السّقط وهي غارقة في الدماء ما كان ممكنًا للإنسان أن يُدركها فضلاً عن رؤيتها، ووصفها، وتسميتها بأسمائها الصحيحة، ومن هنا كانت تعبيرات وصف مراحل الجنين كما جاء في الحديث السابق من أوضح جوانب الإعجاز العلمي في سُنَّة رسول الله ، ودليلاً ناصعًا على صدق نبوته .
هذه بعض الإشارات العلمية في سُنَّة رسول الله ، والمجال لا يتَّسع لعرض المزيد منها، ولكنها تؤكِّد بما لا يدع مجالاً للشكِّ صدق النبي محمد فيما بَلَّغ عن ربِّ العزَّة.