كيف نبني الأمة؟
هناك أمل كبير في إعادة البناء، بل إن هناك يقينًا في إعادة البناء، وستقوم الأمة من جديد، فهذا ما وعد الله به، وهو سبحانه لا يخلف الميعاد، يقول الحق تبارك وتعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر: 51].
ولم يقتصر النصر على يوم القيامة فقط، بل في الحياة الدنيا أيضًا. يقول في الحديث الشريف: "إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِيَ الأَرْضَ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا".
فسيبلغ ملك أمة المسلمين حتمًا مشارق الأرض ومغاربه، وهذا وعد الصادق المصدوق ، ولكن لا بُدَّ من أمرين في بناء الأمة:
الأمر الأول: يقين بتمكين الأمة
فلا بد من يقين كيقين الصحابة y في غزوة الأحزاب، لقد تحزبت الأحزاب حول المدينة ما يقرب من عشرة آلاف، وهذا الرقم ضخم جدًّا في زمان الجزيرة العربية، وكان يريدون أن يطفئوا نور الله، يريدون إبادة المسلمين.
كان الرجل من بني شيبان عند فخره يقول إننا نزيد على الألف، فهذا الرقم كان رقمًا ضخمًا بالنسبة للعرب، ولن يغلب ألف من قلة.
تخيَّل عشرة آلاف يحيطون بالمدينة المنورة إنها ضائقة شديدة جدًّا، والرسول في وسط هذه الضائقة يضرب بيده الحجر الذي استعصى على المسلمين، تناول المعول بيده فَقَالَ: "بِاسْمِ اللَّهِ. فَضَرَبَ ضَرْبَةً، فَكَسَرَ ثُلُثَ الْحَجَرِ وَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الشَّامِ، وَاللَّهِ إِنِّي لأُبْصِرُ قُصُورَهَا الْحُمْرَ مِنْ مَكَانِي هَذَا. ثُمَّ قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ. وَضَرَبَ أُخْرَى، فَكَسَرَ ثُلُثَ الْحَجَرِ فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ فَارِسَ، وَاللَّهِ إِنِّي لأُبْصِرُ الْمَدَائِنَ وَأُبْصِرُ قَصْرَهَا الأَبْيَضَ مِنْ مَكَانِي هَذَا. ثُمَّ قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ. وَضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى، فَقَلَعَ بَقِيَّةَ الْحَجَرِ فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْيَمَنِ، وَاللَّهِ إِنِّي لأُبْصِرُ أَبْوَابَ صَنْعَاءَ مِنْ مَكَانِي هَذَا".
كيف يكون رد المسلمين وهم يسمعون بشريات النبي وهم في هذه الضائقة؟ قال المؤمنون كما وصفهم الحق تبارك وتعالى: {وَلَمَّا رَأَى المُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22].
المسلمون في هذه الضائقة علموا أن نصر الله قريب؛ لأن نصر الله يأتي بعد اشتداد الأزمات.
أما المنافقون فلما رأوا الفجوة الواسعة بين إمكانيات المسلمين وإمكانيات الأحزاب، قالوا كما أخبر الحق تبارك وتعالى عنهم: {وَإِذْ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا} [الأحزاب: 12].
هكذا كان حال المنافقين في غزوة الأحزاب لما اعتمدوا في تقييمهم على حسابات ماديّة بحتة، ولم يقدروا لله قدره، لم يقدروا قوة الله ، ولم يقدروا عظمة الله ، فالمنافقون لا يؤمنون، أما المؤمنون الصادقون الذين يعلمون قدر الله فأيقنوا أن نصر الله قريب جدًّا؛ لأن الأزمة اشتدت.
وفي زماننا هذا اشتدت الأزمة، واستحكمت حلقاتها، والنصر آتٍ لا محالة ولا شك في ذلك إن شاء الله.
الأمر الثاني: أين دورك في بناء الأمة الإسلامية؟
كثيرًا ما ينتظر المسلمون مَنْ يأتي إليهم ليعيد لهم بناء الأمة الإسلامية من جديد، لكن أين دورك أنت الذي كلفك الله به لإعادة إعمار الأمة الإسلامية، أو لإعادة بنائه لترجع كما كانت في الصدارة وكما أراد الله لها {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110]. يقول الحق تبارك وتعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدَّثر: 38]، {أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[النَّجم: 38].
فإن قصر الناس في أعمالهم، فلن يحاسبك الله إلا على تقصيرك أنت. هكذا وعد الله ، وهذا من عدله I.
منهجنا في بناء الأمة
كل إنسان اليوم يريد بناء الأمة على طريقته وعلى منهجه، لذلك نجد من ينادي ببناء الأمة الإسلامية على أن تقوم على النظام الاشتراكي، ونظل في قيد الاشتراكية سنوات طويلة، وبعد مرور أعوام كثيرة نتبين أن هذا المنهج له أخطاء حتى إن بعض الدول كانت تطبق هذا النظام بعد فشله في الدول التي أحدثته!!
والبعض يقترح النظام الرأسمالي وحاله من حال الاشتراكية يطبق لسنوات طويلة وفي النهاية يتبين خطأ هذا النظام.
ونجد من ينادي بتطبيق القانون الفرنسي أو الإنجليزي أو غيره، ونظل نبحث عن مناهج لنرتقي بأمتنا في الشرق والغرب ونختلف ونتصارع. بالرغم من أن الرسول أرشدنا في مثل هذه الأمور وفي ظل الاختلاف والتصارع أن يكون لنا من نحكّمه عند اختلافنا، ففي الحديث الذي يرويه العرباض بن سارية t يقول: "وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ يَوْمًا بَعْدَ صَلاةِ الْغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلافًا كَثِيرًا، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّهَا ضَلالَةٌ، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ".
ومن هنا كانت دراسة حياة النبي ودراسة حياة الخلفاء الراشدين المهديِّين أمرًا حتميًّا لمن أراد أن يهتدي إلى الطريق الصحيح لبناء الأمة