السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللغة العربية لغة القرآن، هي لغة الجمال، هي لغة الفن والذوق، هي لغة الجلال والعفة والاحترام. لهذا كانت التراكيب الراقية في التعبير القرآني تتحدث في أدق الموضوعات وأخص القضايا دون حرج لأن ألفاظها تؤدي المعنى بتهذيب، فلا تستعمل لفظا غير جائز ولا مفردة تخدش حياء ولا يصرح بما لاينبغي، أو ينسب ما لا يجوز للخالق، إن الكناية طريقته أسلوب من أساليب القرآن ليتسعأفق الحديث في نطاق الاحترام والتهذيب؟
ومن إحساس المرء بلغته وعنايته بتجميل لفظه فعليه أن يحافظ على ألفاظ فصيحة وصحيحة، وأن يحرص على التناسب بين المفردات والمعاني، وبالأمثلة يتضح المعنى، فها هي أمثلة لأساليب شاع استعمالها ولكن الذوق لا يقبلها:
ـ استعمل واستخدم: فالفعل (استخدم) جاء من خدم والخدمة، فهل يجوز ذوقا استعمال هذا الفعل عن ألفاظ القرآن مثلا؟ نسمع ونقرأ مثل هذه العبارات: استخدم ألفاظ القرآن في أسلوبه، واستخدم القرآن في نشر الدعوة، واستخدم أقوال الرسول للاستشهاد في كتابه. فلنستبدل بهذا اللفظ لفظا آخر مناسبا يقوم مقامه ويناسب السياق مثل (استعمل) على الأقل.
ـ استغل واستثمر: فالاستغلال فيه انتهازٌ واستعمال بغير وجه حق غالبا، لذلك لا يجوز أن نستعمله في القضايا المهمة والمسائل الراقية، والأفضل أن نقول: استثمر، ومعنى الاستثمار فيه معاني البركةوالخير والتنمية، فلنقل: نستثمر الإجازة ـ ونستثمر زيارة فلان للبلاد، ونستثمر فرصةكذا وكذا. وليبق الاستغلال خاصا بما يناسبه من أمور.
ـ على الرغم من: صار هذا التعبير يستعمل استعمالا كبيرا في كلامنا، والصحيح أن نقول (على) بلا رغم،ولا يعني هذا أن نترك هذا التعبير نهائيا، ولكن له مواضعه، وثمة مواضع لا يجوزمعها، فالرغام هو التراب، وحين نقول: (فعل هذا الشيء على الرغم منه) فهذا يعني أنه فعله بإجبار وبذلة وبلا رغبة منه، لذلك لا يجوز استعماله في كل شيء، فلا يجوز أن نقول: على الرغم من سمو الدين فقد حدث كذا، وعلى الرغم من سماحة الرسول فقد فعلوامعه كذا، وعلى الرغم من جمال القرآن صار كذا. فهذه التعبيرات تحمل معنى الذلة الذي يتنافى مع مضمون الكلام.
ـ ومن التعبيرات الحديثة كلمة (سرفر = server) التي تطلق على الموقع أو الشركة التي تقدم خدمات في الشبكة العالمية، ويستعمل بعضهم الكلمة العربية فيقولون (الخادم)، والذوق يقول إن علينا أن نحترم الشركة التي نتعامل معها وتقدم لنا هذه الخدمة فلا نسميهم (الخادم) بل نسميهم (المستضيف) وإن كانت استضافتهم بمقابل مادي. ولا نرضى أن نترجم اللفظ الأجنبي كما هو، لأننا أمةالذوق، ولغتنا لغة الجمال المعبر والثراء الذي يغني عما لا يفيد.