ولما كان يوم القتال أمر المثنى جيشه بالإفطار؛ حتى يقووا على مقاتلة عدوهم فأفطر الجيش عن بكرة أبيه, وقد جعل المثنى لكل قبيلة راية تقاتل تحتها حتى تتنافس القبائل وتستميت في القتال والدفاع عن بيضة الإسلام وخالط المثنى جيشه وعاملهم معاملة القائد الإسلامي النجيب حتى صار واحداً منهم مع احتفاظه بمكانته كقائد فقوى هذا من عزائم الجيش، ثم حثهم على الصبر والثبات وعلى الدفاع عن بيضة الدين وكان يمر بين القبائل يشد على أيديهم ويحذرهم من أن يؤتى الإسلام من قبلهم ...
-------------------------
من فتوحات وانتصارات شهر رمضان الكريم, موقعة من أهم المواقع التي كانت بين المسلمين والفرس, إنها موقعة البويب سنة أربعة عشر من الهجرة النبوية المباركة.
لقد توفى خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق وهو يوصى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن ينفذ جيش المثنى بن حارثة لقتال الفرس، ومات الصديق واستنفر أمير المؤمنين عمر الناس للخروج للقاء الفرس، فكان أول من لبى النداء أبو عبيد الثقفي فأمره أمير المؤمنين عمر بن الخطاب على الجيش وأوصاه بالشورى وأن لا يتسرع في الحرب، وسار الجيش إلى بلاد فارس, والتقى الجيشان لكن حال النهر بينهما، فاستشار أبو عبيد أصحابه عل يعبرون أم يعبر الفرس فأشاروا عليه بعد العبور لكنه قال (لا يكونوا أجرأ على الموت منكم) وخالف الشورى وعبر المسلمون الجسر فمنوا بهزيمة كادت أن تقضى عليهم لولا تدخل المثنى بن حارثة حيث استطاع أن ينقذ أعداداً كبيرة من المسلمين من موت محقق، حيث كانت الفيلة تتقدم جيش الفرس، والخيول لا تجرأ على مواجهة الفيلة أبداً، وقد استشهد قائد المسلمين أبو عبيد الثقفي في مهمة استشهادية لقتل أكبر فيل في جيش الفرس فسقط عليه الفيل فمات.
وهنا درس عظيم يجب أن ننتبه له, وهو عاقبة مخالفة الشورى، حيث خالف أبو عبيدة شورى قيادات الجيش واحتكر القرار وأخذه بنفسه، وكانت نتيجة هذه المخالفة أن مني المسلمون بهزيمة كبيرة، فرحم الله أبا عبيدة وعفا عنه، ولنتعلم من أخطاء من سبقونا، ولننظر إلى واقعنا المعاصر وكم يفتقد من هدى النبي صلى الله عليه وسلم, ولنعلم أن الشورى في الإسلام فريضة ولا يجوز لأحد من الحكام أو القادة أن يخالف شورى المسلمين.
وبعد هذه الهزيمة بشهور طويلة أرسل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى المثنى مددا من المسلمين وبلغ تعداد جيش المثنى ثمانية آلاف مقاتل، فسار بالجيش وعسكر في منطقي تسمى البويب وأرسل إلى الفرس أن اعبروا إلينا وكان ذلك في رمضان سنة 14 للهجرة، ويذكر هنا أن ثمة اختلاف كبير بين المؤرخين في وقت موقعة البويب فبعضهم يقول في رمضان 14هـ وهنالك من يقول في 13هـ, لكن المحقق يراها في السنة الرابعة للهجرة.
ولما كان يوم القتال أمر المثنى جيشه بالإفطار؛ حتى يقووا على مقاتلة عدوهم فأفطر الجيش عن بكرة أبيه, وقد جعل المثنى لكل قبيلة راية تقاتل تحتها حتى تتنافس القبائل وتستميت في القتال والدفاع عن بيضة الإسلام وخالط المثنى جيشه وعاملهم معاملة القائد الإسلامي النجيب حتى صار واحداً منهم مع احتفاظه بمكانته كقائد فقوى هذا من عزائم الجيش، ثم حثهم على الصبر والثبات وعلى الدفاع عن بيضة الدين وكان يمر بين القبائل يشد على أيديهم ويحذرهم من أن يؤتى الإسلام من قبلهم, فأشعل حماسة المجاهدين وجعلهم في شوق إلى إحدى الحسنيين الموت أو الشهادة.
وكان المثنى قد نظم الجيش جيدا وقال بعض المؤرخين إن صفوف المجاهدين كانت كصفوف الصلاة, وقد أعد فرقة للاحتياط تحمى ظهور المسلمين وتساندهم إن دارت الدائرة عليهم, وأصبح جيش المسلمين مهيئا تماما وعلى أتم استعداد للقتال.
وبدأ الفرس يعبرون الجسر لكن المثنى قد حاصر الجسر من كل اتجاه ولم يترك للفرس إلى منطقة صغيرة لا تتسع الجيش كله وبالتالي ظل كثير من الفرس على الجانب الآخر من النهر وعلى الجسر وبالتالي تم إبطال مفعول عامل الكثرة, ودار القتال بين الفريقين, وبدأت البشائر تلوح فى الأفق بانتصار المسلمين وبدأ الفرس في الفرار لكن المثنى عاجلهم بقطع الجسر, فقتل من الفرس يومئذ خلق كثير ومنهم من مات غرقا بعدما لم يستطع الفرار.
لكن القائد المجاهد العاقل الذي لا يخشى في الحق لومة لائم ولا يتكبر على الحق ولا على الرجوع إلى الحق مهما كان قد اعترف بخطئه في قطع الجسر لأنه بذلك أجبر جنود الفرس على القتال, وما كان له ذلك لأن من يجبر على القتال فإنه بالتأكيد سوف ينال من المسلمين ويقتل منهم خلقاً، وقد أوصى المثنى المسلمين بألا يفعلوا فعلته هذه مرة أخرى مع أي جيش يقاتلونه, وهذه وصية من قائد خبير على الجميع أن يعمل بها.
وفى موقعة البويب دروس هامة يجب أن نتعلمها ونضعها في حسباننا منها على سبيل المثال لا الحصر:
1. التعلم من أخطاء السابقين: فالمثنى قد تعلم من خطأ أبو عبيد الثقفي رضي الله عنه، ولم يكرر فعله بعبور الجسر إلى الفرس بل دعاهم هم ليعبروا الجسر.
2. التخطيط الجيد للمعركة: وتبين هذا من خلال تنظيمه للصفوف وإبطاله لمفعول عامل الكثرة من خلال اختيار مكان المعركة وحصر الفرس في منطقة صغيرة.
3. التواضع مع الجند: وتبين هذا من خلال علاقته بجنده أثناء الإعداد للمعركة إذ شاركهم ما يفرحهم وما يحزنهم واختلط هم ولم يتكبر على أحد منهم.
4. الاستفادة من الظروف والروابط بين الناس: فإن معظم مقاتلي جيش المثنى كانوا من أهل الردة الذين ارتدوا بعد وفاة النبي ثم عادوا للإسلام بعد حروب الردة, وبالتالي لم يكونوا قد تخلصوا بعد من العصبية والحمية للقبيلة, فجعل لكل قبيلة راية ليتنافسوا في الدفاع عن الإسلام, فاستغل ما تبقى من حمية وعصبية لخدمة الإسلام والمسلمين.
5. اتباع هدى النبي صلى الله عليه وسلم: وبرز ذلك في كافة الأمور, ومن أبرزها استخدامه لطريقة الصفوف في تنظيم الجيش الإسلامي.
المراجع:
المغازي للواقدي.
الكامل في التاريخ.
من معارك المسلمين في رمضان.
موقع قصة الإسلام للسرجاني.
موقع اسلام أون لاين.
المصدر : موقع قاوم