من ترك الصلاة جاحداً لوجوبها مع علمه به ، فقد أجمع العلماء على أن من جحد وجوب الصلاة أنه كافر كفر مخرج من الملة ، وأنه يقتل إن لم يتب ،
قال ابن عبد البر: أجمع المسلمون على أن جاحد فرض الصلاة كافر يقتل إن لم يتب من كفره ذلك .الاستذكار لابن عبد البر 2 / 149 .
وقال ابن قدامة : تارك الصلاة لا يخلو إما أن يكون جاحداً لوجوبها أو غير جاحد فإن كان جاحداً لوجوبها نظر فيه فإن كان جاهلاً به وهو ممن يجهل ذلك كالحديث الإسلام والناشىء ببادية عرف وجوبها وعلم ذلك ولم يحكم بكفره لأنه معذور فإن لم يكن ممن يجهل ذلك كالناشئ من المسلمين في الأمصار والقرى لم يعذر ولم يقبل منه ادعاء الجهل وحكم بكفره لأن أدلة الوجوب ظاهرة في الكتاب والسنة والمسلمون يفعلونها على الدوام
فلا يخفى وجوبها على من هذا حاله ولا يجحدها إلا تكذيباً لله تعالى ولرسوله وإجماع الأمة وهذا يصير مرتداً عن الإسلام وحكمه حكم سائر المرتدين في الاستتابة والقتل ولا أعلم في هذا خلافاً .
المغني لابن قدامة 2 / 156
حكم من ترك الصلاة تكاسلاً ، وهل يقتل بعد استتابته كفراً أم حداً ؟ اختلف العلماء في ذلك على قولين :
القول الأول : يقتل بعد استتابته كفراً لا حداً وهو مروى عن عمر بن الخطاب ، وعلي ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وجابر ، وأبي الدرداء ، وبه قال إبراهيم النخعي ، والحكم بن عتيبة ، وعبد الله بن المبارك ، وهو مذهب الحسن والشعبي وأيوب السختياني والأوزاعي ،وحماد بن زيد ، ومحمد بن الحسن وإسحاق بن راهويه ، وهو المشهور عن أحمد ، اختارها أبو إسحاق بن شاقلا وابن حامد ، ورواية عن الشافعي ، وقول ابن حبيب من المالكية .
المراجع : الحنبلية : المغني لابن قدامة 2/444، والمبدع لابن مفلح 1/305-307، والفروع 1/202، ومسائل الإمام أحمد برواية ابنه عبد الله 1/191، والإنتصار 2/603 ، انظر: الاستذكار لابن عبد البر 2 / 149 ،
المراجع الشافعية : المجموع للنووي 3/17-19، وروضة الطالبين 2/146.
المراجع المالكية : مواهب الجليل للحطاب 1/420-421، والخرشي على خليل 1/227-228.
القول الثاني: أنه يقتل بعد استتابته حداً لا كفراً وهو مذهب مالك ، وأبي حنيفة إلاَّ أنه قال: يسجن حتى يموت، والمشهور عن الشافعي قال النووي : وهو قول الأكثرون من السلف والخلف ، ورواية عن أحمد اختارها أبو عبد الله ابن بطة وابن قدامة المقدسي والمجد ابن تيمية وابن عبدوس .
المراجع المالكية : مواهب الجليل 1/420-421، والخرشي على خليل 1/227-228.
المراجع الحنفية : حاشية ابن عابدين 1/352-353، واللباب في الجمع بين السنة والكتاب 1/183، وأحكام القرآن للجصاص 3/81-83.
المراجع الشافعية : المجموع للنووي 3/17-19، وروضة الطالبين 2/146. المراجع : الحنبلية : المغني لابن قدامة 2/444، والمبدع لابن مفلح 1/305-307، والإنصاف للمرداوي 1/404، والإنتصار 2/604.
وهذه المسألة من المسائل الخلافية قديماً وحديثاًً ، ومسائل الخلاف لا بد للباحث فيها من ردها إلى الكتاب والسنة ، ثم الرجوع فيها إلى كلام علماء السلف من الصحابة والتابعين وتابعيهم لأنهم أصح فهماً وأقرب مستنداً ، وإليك كلام العلماء في هذه المسألة :
قال ابن عبد البر في كتابه الإستذكار : أجمع المسلمون على أن جاحد فرض الصلاة كافر يقتل إن لم يتب من كفره ذلك فروى عن علي وبن عباس وجابر وأبي الدرداء تكفير تارك الصلاة قالوا من لم يصل فهو كافر وعن عمر بن الخطاب لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة وعن بن مسعود من لم يصل فلا دين له وقال إبراهيم النخعي والحكم بن عتيبة وأيوب السختياني وعبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه واختلفوا في المقر بها وبفرضها التارك عمدا لعملها وهو على القيام بها قادر فروى عن علي وبن عباس وجابر وأبي الدرداء تكفير تارك الصلاة قالوا من لم يصل فهو كافر وعن عمر بن الخطاب لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة وعن بن مسعود من لم يصل فلا دين له وقال إبراهيم النخعي والحكم بن عتيبة وأيوب السختياني وعبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه من ترك صلاة واحدة متعمدا حتى يخرج وقتها لغير عذر وأبي من أدائها وقضائها وقال لا أصلي فهو كافر ودمه وماله حلالان إن لم يتب ويراجع الصلاة ويستتاب فإن تاب وإلا قتل ولا ترثه ورثته من المسلمين وحكم ماله حكم مال المرتد إذا قتل على ردته وبهذا قال أبو داود الطيالسي وأبو خيثمة زهير بن حرب وأبو بكر بن أبي شيبة قال إسحاق هو رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى زماننا هذا قال إسحاق وينتظر تارك الصلاة إذا أبى من أدائها وقضائها في استتابته حتى يخرج وقتها وخروج وقت الظهر بغروب الشمس وخروج وقت المغرب بطلوع الفجر قال إسحاق وقد أجمع المسلمون أن من سب الله عز وجل أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم أو دفع شيئا مما أنزل الله تعالى أو قتل نبيا من أنبياء الله تعالى أنه كافر بذلك وإن كان مقرى بكل ما أنزل الله فكذلك تارك الصلاة حتى يخرج وقتها عامدا أبيا من قضائها وعملها وإقامتها قال ولقد أجمعوا في الصلاة على شيء لم يجمعوا عليه في سائر الشرائع قالوا من عرف بالكفر ثم رأوه يصلي الصلاة في وقتها حتى صلى صلوات كثيرة في أوقاتها ولم يعلموه أقر بلسانه أنه يحكم له بالإيمان ولم يحكموا له في الصوم والزكاة والحج بمثل ذلك قال إسحاق ولقد كفر إبليس إذ لم يسجد السجدة التي أمر بسجودها قال فكذلك تارك الصلاة وقال أحمد بن حنبل لا يكفر أحد بذنب إلا تارك الصلاة عمدا ثم ذكر استتابته وقتله وحجة هؤلاء ومن ذهب مذهبهم ما روي من الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم في تكفير تارك الصلاة منها حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس بين العبد وبين الكفر أو قال الشرك إلا ترك الصلاة وحديث بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ، وقوله صلى الله عليه وسلم من ترك الصلاة حبط عمله وحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من ترك الصلاة حشر مع قارون وفرعون وهامان وحديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا فذلك المسلم وبآثار كثيرة في معنى هذه قد ذكرناها في التمهيد مع ما قدمنا عن الصحابة المذكورين من أقوالهم في هذا الباب واحتج إسحاق في ذلك أيضا بحجج قد ذكرتها في التمهيد وأما الشافعي رحمه الله فقال بقول الإمام لتارك الصلاة صل فإن قال لا أصلي سئل فإن ذكر علة بجسمه أمر بالصلاة على قدر طاقته فإن أبى من الصلاة حتى يخرج وقتها قلته الإمام وإنما يستتاب ما دام وقت الصلاة قائما يستتاب في أدائها وإقامتها فإن أبى قتل وورثه ورثته وهو قول مالك رحمه الله وأصحابه قال بن وهب سمعت مالكا يقول من آمن بالله وصدق المرسلين وأبى أن يصلي قتل وبه قال أبو ثور وهو قول مكحول وحماد بن زيد ووكيع وكل هؤلاء إذا قتل أن لا يمنع ورثته من ميراثه لأنه لا يقتل على الكفر إن كان مقرى بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من التوحيد والشرائع ودين الإسلام ومقر بفرض الصلاة والصيام إلا أنه يأبى من أدائها وهو مقر بفرضها ومؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت ومن حجة من ذهب هذا المذهب فعل أبي بكر الصديق رضي الله عنه في جماعة الصحابة لأنهم رجعوا إلى قوله حين قال له عمر كيف نقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال لا إله إلا الله عصم مني دمه وماله إلا بحقه وحسابه على الله فقال أبو بكر من حقه الزكاة والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة قال عمر فما هو إ لا أن سمعت ذلك منه فعلمت أن الله قد شرح صدره للحق فقاتل أبو بكر والصحابة معه مانعي الزكاة لما أبوا من أدائها إذ فرقوا بين الصلاة والزكاة فأقاموا الصلاة وامتنعوا عن الزكاة فمن أبى من إقامة الصلاة وامتنع منها كان أحرى بالقتل ومعلوم أن هؤلاء من بين أهل الردة لم يكفروا بعد الإيمان ولا أشركوا بالله وقد قالوا لأبي بكر ما كفرنا بعد إيماننا ولكن شححنا على أموالنا وذلك بين في شعر شاعرهم حيث يقول أطعنا رسول الله ما كان بيننا فيا عجبا ما بال ملك أبي بكر فإن التي سألوكموا فمنعتموا لكالتمر أو أشهى إليهم من التمر وأما توريث ورثتهم منهم فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما ولي الخلافة رد إلى هؤلاء ما وجد من أموالهم قائما بأيدي الناس وكان أبو بكر قد سباهم كما سبى أهل الردة وقال أهل السير إن عمر رضي الله عنه لما ولي أرسل إلى النسوة اللاتي كانوا المسلمون قد أحرزوهم من نساء مانعي الزكاة فيما أحرزوا من غنائم أهل الردة فخيرهن بين أن يمكثن عند من هن عنده بتزويج وصداق أو يرجعن إلى أهليهن بالفداء فاخترن أن يمكثن عند من هن عنده بتزويج وصداق وكان الصداق الذي جعل لمن اختار أهله عشر أواقي لكل امرأة والأوقية أربعون درهما ومن حجة مالك والشافعي في ذلك أيضا حديث أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال سيكون أمراء تعرفون وتنكرون فمن أنكر فقد بريء ومن كره فقد سلم ولكن من رضي وتابع قالوا يا رسول الله ألا نقاتلهم قال لا ما صلوا الخمس فدل أنهم لا يقاتلون ولا يقتلون إذا صلوا الخمس ودل ذلك على أن من لم يصل الخمس قوتل وقتل وقد ذكرنا الأسانيد بذلك في التمهيد وقوله صلى الله عليه وسلم في مالك بن الدخشم أليس يصلي قالوا بلى ولا صلاة له فقال أولئك الذين نهاني الله عنهم أو عن قتلهم فدل على أنه لو لم يصل لم يكن من الذين نهاه الله عن قتلهم بل كان يكون من الذين أمره الله بقتلهم وقال صلى الله عليه وسلم إني نهيت عن قتل المصلين فدل ذلك على أنه قد أمر بقتل من لم يصل كما نهى عن قتل من صلى وأنه لا يمنع من القتل إلا فعل الصلاة والله أعلم قالوا فهذا كله يدل على القتل ولا يدل على الكفر وتأولوا في الآثار التي ورد ظاهرها بتكفير تارك الصلاة ما تأولوا في زنى المؤمن وسرقته وشربه الخمر وانتهابه النهبة التي يرفع الناس إليه فيها رؤوسهم بقوله صلى الله عليه وسلم لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن الحديث وما كان مثله وتفسيقه وسبابه والرغبة عن الآباء وضرب بعضهم رقاب بعض والحكم بغير ما أنزل الله وما كان مثل هذا روى بن عيينة عن هشام بن حجر عن طاوس عن بن عباس أنه قال ليس بالكفر الذي تذهبون إليه إنه ليس بكفر ينقل عن الملة ثم تلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكفرون المائدة 44 ، فلهذا كله وما كان مثله ورثوا من تارك الصلاة إذا قتلوه ورثته وقد زدنا هذه المسألة بيانا بضروب من الشواهد في التمهيد وقال إسماعيل القاضي لم ير مالك استتابة القدرية وسائر أهل الأهواء وقتلهم إن لم يتوبوا من جهة الكفر وإنما رأى قتلهم من جهة الفساد في الدين لأنهم أعظم فسادا من المحاربين حدثنا إسماعيل بن عبد الرحمن قال أخبرنا محمد بن القاسم بن شعبان قال حدثني علي بن سعيد قال حدثنا أبو رجاء سعيد بن حفص البخاري قال حدثنا مؤمل بن إسماعيل قال حدثنا حماد بن زيد قال حدثنا عمرو بن مالك النكري عن أبي الجوزاء عن بن عباس ولا أظنه إلا رفعه قال عرى الإسلام ثلاث بني الإسلام عليها من ترك منهن واحدة فهو حلال الدم شهادة أن لا إله إلا الله والصلاة وصوم رمضان قال بن عباس نجده كثير المال ولا يزكي فلا يكون بذلك كافرا ولا يحل دمه ونجده كثير المال ولا يحج فلا يكون بذلك كافرا ولا يحل دمه ومنها قوله ولا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن الحديث وما كان مثله وفي تارك الصلاة قول ثالث قاله بن شهاب وغيره روى شعيب بن أبي حمزة عن بن شهاب أنه سئل عن تارك الصلاة فقال إذا ترك الرجل الصلاة لأنه ابتدع دينا غير الإسلام قتل وإن كان إنما فعل ذلك فسقا ومجونا وتهاونا فإنه يضرب ضربا مبرحا ويسجن حتى يرجع قال والذي يفطر في رمضان كذلك قال أبو جعفر الطحاوي وهو قولنا وإليه ذهب جماعة من سلف الأمة منهم أبو حنيفة وأصحابه قال أبو عمر يقول داود ومن اتبعه وحجة هؤلاء ومن قال بقولهم قوله صلى الله عليه وسلم خمس صلوات كتبهن الله على العباد ثم قال ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة وقال صلى الله عليه وسلم لن يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة واحتجوا أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وإني رسول الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها قالوا وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حقها فقال لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث كفر بعد إيمان أو زنا بعد إحصان أو قتل نفس بنفس يعني قودا وقد بسطنا هذه المسألة في التمهيد بسطا شافيا وذكرنا أقوال سائر أهل القبلة فيها والحمد لله . الاستذكار لابن عبد البر 2 / 149 - 155 .
وقال ابن قدامة في كتابه المغني : مسألة قال ومن ترك الصلاة وهو بالغ عاقل جاحدا لها أو غير جاحد دعي إليها في وقت كل صلاة ثلاثة أيام فإن صلى وإلا قتل ، وتارك الصلاة لا يخلو إما أن يكون جاحداً لوجوبها أو غير جاحد فإن كان جاحدا لوجوبها نظر فيه فإن كان جاهلا به وهو ممن يجهل ذلك كالحديث الإسلام والناشىء ببادية عرف وجوبها وعلمم ذلك ولم يحكم بكره لأنه معذور فإن لم يكن ممن يجهل ذلك كالناشىء من المسلمين في الأمصار والقرى لم يعذر ولم يقبل منه ادعاء الجهل وحكم بكفره لأن أدلة الوجوب ظاهرة في الكتاب والسنة والمسلمون يفعلونها على الدوام فلا يخفى وجوبها على من هذا حاله ولا يجحدها إلا تكذيبا لله تعالى ولرسوله وإجماع الأمة وهذا يصير مرتدا عن الإسلام وحكمه حكم سائر المرتدين في الاستتابة والقتل ولا أعلم في هذا خلافاً ، وإن تركها لمرض أو عجز عن أركانها وشروطها قيل له إن ذلك لا يسقط الصلاة وأنه يجب عليه أن يصلي على حسب طاقته ، وإن تركها تهاونا أو كسلا دعي إلى فعلها وقيل له إن صليت وإلا قتلناك فإن صلى وإلا وجب قتله ولا يقتل حتى يحبس ثلاثا ويضيق عليه فيها ويدعى في وقت كل صلاة إلى فعلها ويخوف بالقتل فإن صلى وإلا قتل بالسيف وبهذا قال مالك وحماد بن زيد ووكيع والشافعي وقال الزهري يضرب ويسجن ، وبه قال أبو حنيفة قال ولا يقتل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث كفر بعد إيمان أو زنا بعد إحصان أو قتل نفس بغير حق متفق عليه وهذا لم يصدر منه أحد الثلاثة ، فلا يحل دمه وقال النبي صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها متفق عليه ولأنه فرع من فروع الدين فلا يقتل بتركه كالحج ولأن القتل لو شرع لشرع زجرا عن ترك الصلاة ولا يجوز شرع زاجر تحقق المزجور عنه والقتل يمنع فعل الصلاة دائما فلا يشرع ولأن الأصل تحريم الدم فلا تثبت الإباحة إلا بنص أو معنى نص والأصل عدمه ولنا قول الله تعالى فاقتلوا المشركين إلى قوله فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم فأباح قتلهم وشرط في تخلية سبيلهم التوبة وهي الإسلام وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة فمتى ترك الصلاة متعمدا لم يأت بشرط تخليته فبقي على وجوب القتل وقول النبي صلى الله عليه وسلم من ترك الصلاة متعمدا فقد برئت منه الذمة وهذا يدل على إباحة قتله وقال عليه السلام بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة رواه مسلم والكفر مبيح للقتل وقال عليه السلام نهيت عن قتل المصلين وعن أنس قال قال أبو بكر إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة رواه
الدارقطني فمفهومه أن غير المصلين يباح قتلهم ولأنها ركن من أركان الإسلام لا تدخله النيابة بنفس ولا مال فوجب أن يقتل تاركه كالشهادة وحديثهم حجة لنا لأن الخبر الذي رويناه يدل على أن تركها كفر والحديث الآخر استثني منه إلا بحقها والصلاة من حقها ثم إن أحاديثنا خاصة فنخص بها عموم ما ذكروه ولا يصح قياسها على الحج لأن مختلف في جواز تأخيره ولا يجب القتل بفعل مختلف فيه وقولهم إن هذا يفضي إلى ترك الصلاة بالكلية قلنا الظاهر أن من يعلم أنه يقتل إن ترك الصلاة لا يتركها سيما بعد استتابته ثلاثة أيام فإن تركها بعد هذا كان ميئوسا من صلاته فلا فائدة في بقائه ولا يكون القتل هو المفوت له ثم لو فات به احتمال الصلاة لحصل به صلاة ألف إنسان وتحصيل ذلك بتفويت احتمال صلاة واحدة لا يخالف الأصل وإذا ثبت هذا فظاهر كلام الخرقي أنه يجب قتله بترك صلاة واحدة وهو إحدى الروايتين عن أحمد لأنه تارك للصلاة فلزمه قتله كتارك ثلاث ولأن الأخبار تتناول تارك صلاة واحدة لكن لا يثبت الوجوب حتى يضيق وقت التي بعدها لأن الأولى لا يعلم تركها إلا بفوات وقتها فتصير فائتة لا يجب القتل بفواتها فإذا ضاق وقتها علم أنه يريد تركها فوجب قتله والثانية لا يجب قتله حتى يترك ثلاث صلوات ويضيق وقت الرابعة عن فعلها لأنه قد يترك الصلاة والصلاتين لشبهة فإذا تكرر ذلك ثلاثا تحقق أنه تاركها رغبة عنها ويعتبر أن يضيق وقت الرابعة عن فعلها لما ذكرنا وحكى ابن حامد عن أبي إسحاق بن شاقلا أنه إن ترك صلاة لا تجمع إلى ما بعدها كصلاة الفجر والعصر وجب قتله وإن ترك الأولى من صلاتي الجمع لم يجب قتله لأن الوقتين كالوقت الواحد عند بعض العلماء وهذا قول حسن واختلفت الرواية هل يقتل لكفره أو حدا فروي أنه يقتل لكفره كالمرتد فلا يغسل ولا يكفن ولا يدفن بين المسلمين ولا يرثه أحد ولا يرث أحدا اختارها أبو إسحاق بن شاقلا وابن حامد وهو مذهب الحسن والشعبي وأيوب السختياني والأوزاعي وابن المبارك وحماد بن زيد وإسحاق ومحمد بن الحسن لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة وفي لفظ عن جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن بين الرجل وبين الشرك ترك الصلاة وعن بريدة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيننا وبينهم ترك الصلاة فمن تركها فقد كفر رواهن مسلم وقال النبي صلى الله عليه وسلم أول ما تفقدون من دينكم الأمانة وآخر ما تفقدون الصلاة قال أحمد كل شيء ذهب آخره لم يبق منه شيء وقال عمر رضي الله عنه لاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة وقال علي رضي الله عنه من لم يصل فهو كافر وقال ابن مسعود من لم يصل فلا دين له وقال عبد الله بن شفيق لم يكن أصحاب رسول الله يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة ولأنها عبادة يدخل بها في الإسلام فيخرج بتركها منه كالشهادة والرواية الثانية يقتل حدا مع الحكم بإسلامه كالزاني المحصن وهذا اختيار أبي عبد الله بن بطة وأنكر قول من قال إنه يكفر وذكر أن المذهب على هذا لم يجد في المذهب خلافا فيه وهذا قول أكثر الفقهاء وقول أبي حنيفة ومالك والشافعي وروي عن حذيفة أنه قال يأتي على الناس زمان لا يبقى معهم من الإسلام إلا قول لا إله إلا الله فقيل له وما ينفعهم قال تنجيهم من النار لا أبا لك وعن والان قال انتهيت إلى داري فوجدت شاة مذبوحة فقلت من ذبحها قالوا غلامك قلت والله إن غلامي لا يصلي فقال النسوة نحن علمناه فسمى فرجعت إلى ابن مسعود فسألته عن ذلك فأمرني بأكلها الدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله وعن أبي ذر قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة وعن عبادة بن الصامت قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من عمل وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن برة متفق على هذه الأحاديث كلها ومثلها كثير وعن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال خمس صلوات كتبهن الله على العبد في اليوم والليلة فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة ولو كان كافرا لم يدخله في المشيئة وقال الخلال في جامعه ثنا يحيى ثنا عبد الوهاب نا هشام بن حسان عن عبد الله بن عبد الرحمن عن أبي شميلة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى قباء فاستقبله رهط من الأنصار يحملون جنازة على باب فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما هذا قالوا مملوك لآل فلان كان من أمره قال أكان يشهد أن لا إله إلا الله قالوا نعم ولكنه كان وكان فقال أما كان يصلي فقالوا قد كان يصلي ويدع فقال لهم ارجعوا به فغسلوه وكفنوه وصلوا عليه وادفنوه والذي نفسي بيده لقد كادت الملائكة تحول بيني وبينه وروى بإسناده عن عطاء عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوا على من قال لا إله إلا الله ولأن ذلك إجماع المسلمين فإننا لا نعلم في عصر من الأعصار أحداً من تاركي الصلاة ترك تغسيله والصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين ولا منع ورثته ميراثه ولا منع هو ميراث مورثه ولا فرق بين زوجين لترك الصلاة مع أحدهما لكثرة تاركي الصلاة ولو كان كافرا لثبتت هذه الأحكام كلها ولا نعلم بين المسلمين خلافا في أن تارك الصلاة يجب عليه قضاؤها ولو كان مرتدا لم يجب عليه قضاء صلاة ولا صيام وأما الأحاديث المتقدمة فهي على سبيل التغليظ والتشبيه له بالكفار لا على الحقيقة كقوله عليه السلام سباب المسلم فسوق وقتاله كفر وقوله كفر بالله تبرؤ من نسب وإن دق وقوله من قال لأخيه يا كافر فقد باء لها أحدهما وقوله من أتى حائضا أو امرأة في دبرها فقد كفر بما أنزل على محمد قال ومن قال مطرنا بنوء الكواكب فهو كافر بالله مؤمن بالكواكب وقوله من حلف بغير الله فقد أشرك وقوله شارب الخمر كعابد وثن وأشباه هذا مما أريد به التشديد في الوعيد وهو أصوب القولين والله أعلم . المغني لابن قدامة 2 / 156 - 170 .
وقال ابن عبد البر أيضاً في كتابه التمهيد : عن ابن عباس قال قواعد الدين ثلاثة شهادة أن لا إله الا الله والصلاة وصوم رمضان ثم قال ابن عباس تجده كثير المال ولا يزكي فلا يقال لذلك كافر ولا يحل دمه وقد ذكرنا هذا الحديث فإسناده في كتاب الزكاة من كتاب الاستذكار ومن حجته أيضا ما حدثناه عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا هشام بن حسان عن الحسن عن ضبة بن محصن عن أم سلمة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيكون أمراء تعرفون وتنكرون فمن أنكر فقد برئ ومن كره فقد سلم ولكن من رضي وتابع قالوا يا رسول الله ألا نقاتلهم قال لا ما صلوا الخمس وفيه دليل على أنهم أن لم يصلوا الخمس قوتلوا ومن حجتهم أيضا قوله صلى الله عليه وسلم نهيت عن قتل المصلين وفي ذلك دليل على أن من لم يصل لم ينه عن قتله والله أعلم ألا ترى الى قوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه الذين شاوروه في قتل مالك بن الدخشم أليس يصلي قالوا بلى ولا صلاة له فنهاهم عن قتله لصلاته إذ قالوا له بلى أنه يصلي ولو قالوا انه لا يصلي ما نهاهم عن قتله والله أعلم ولم يحتج عليهم في المنع من قتله الا بالشهادة والصلاة لأنه قال لهم أليس يشهد أن لا إله الا الله قالوا بلى ولا شهادة له فقال اليس يصلي قالوا بلى ولا صلاة له قال أولئك الذين نهاني الله عن قتلهم وقد قال في غير ذلك الحديث نهيت عن قتل المصلين واعتلوا في دفع الآثار المروية في تكفير تارك الصلاة بأن قالوا معناها من ترك الصلاة جاحداً لها معانداً مستكبراً غير مقر بفرضها قالوا ويلزم من كفرهم بتلك الآثار وقبلها على ظاهرها فيهم أن يكفر القاتل والشاتم للمسلم وأن يكفر الزاني وشارب الخمر والسارق والمنتهب ومن رغب عن نسب أبيه فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال سباب المسلم فسوق وقتاله كفر 1 وقال لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس اليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن 2 وقال لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم 3 وقال لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض 4 الى آثار مثل هذه لا يخرج بها العلماء المؤمن من الإسلام وإن كان بفعل ذلك فاسقا عندهم فغير نكير أن تكون الآثار في تارك الصلاة كذلك قالوا ومعنى قوله سباب المسلم فسوق وقتاله كفر أنه ليس بكفر يخرج عن الملة وكذلك كل ما ورد من تكفير من ذكرنا ممن يضرب بعضهم رقاب بعض ونحو ذلك وقد جاء عن إبن عباس وهو احد الذين روى عنهم تكفير تارك الصلاة أنه قال في حكم الحاكم الجائر كفر دون كفر حدثني محمد بن إبراهيم قال حدثنا أحمد بن مطرف قال حدثنا سعيد بن عثمان قال حدثنا إسحاق بن إسمعيل قال حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن حجير عن طاوس قال قال ابن عباس ليس بالكفر الذي تذهبون اليه إنه ليس بكفر ينقل عن الملة ثم قرا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون 2 واحتجوا أيضا بقول عبد الله بن عمر لا يبلغ المرء حقيقة الكفر حتى يدعو مثنى مثنى وقالوا يحتمل قوله صلى الله عليه وسلم لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن يريد مستكمل الايمان لأن الايمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وكذلك السارق وشارب الخمر ومن ذكر معهم وعلى نحو ذلك تأولوا قول عمر بن الخطاب لا حظ في الاسلام لمن ترك الصلاة قالوا أراد أنه لا كبير حظ له ولا حظا كاملا له في الاسلام ومثله قول ابن مسعود وما أشبهه وجعلوه كقوله لا صلاة لجار المسجد الا في المسجد أي أنه ليس له صلاة كاملة ومثله الحديث ليس المسكين بالطواف عليكم يريد ليس هو المسكين حقا لأن هناك من هو أشد مسكنة منه وهو الذي لا يسأل ونحو هذا مما اعتلوا به وقد رأى مالك استتابة الاباضية والقدرية فإن تابوا والا قتلوا ذكر ذلك إسمعيل القاضي عن أبي ثابت عن ابن القاسم وقال قلت لأبي ثابت هذا رأى مالك في هؤلاء حسب قال بل في كل أهل البدع قال القاضي وإنما رأى مالك ذلك فيهم لافسادهم في الارض وهم أعظم إفسادا من المحاربين لأن إفساد الدين اعظم من إفساد المال لا أنهم كفار قال أبو عمر فهذا مالك يريق دماء هؤلاء وليسوا عنده كفارا فكذلك تارك الصلاة عنده من هذا الباب قتله لا من جهة الكفر ومما يدل على أن تارك الصلاة ليس بكافر كفرا ينقل عن الاسلام إذا كان مؤمنا بها معتقدا لها حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أمر بعبد من عباد الله أن يضرب في قبره مائة جلده فلم يزل يسأل الله ويدعوه حتى صارت جلدة واحدة فامتلأ قبره نارا فلما أفاق قال علام جلدتموني قالوا إنك صليت صلاة بغير طهور ومررت على مظلوم فلم تنصره قال الطحاوي في هذا الحديث ما يدل على أن تارك الصلاة ليس بكافر لأن من صلى صلاة بغير طهور فلم يصل وقد أجيبت دعوته ولو كان كافرا ما أجيبت له دعوة لأن الله تبارك وتعالى يقول وما دعاء الكافرين إلا في ضلال 2 وقد ذكرنا إسناد حديث ابن مسعود هذا في باب يحيى بن سعيد عند قوله صلى الله عليه وسلم خمس صلوات كتبهن الله على العباد ثم قال ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء غفر له 3 ومما يدل على أن الكفر منه مالا ينقل عن الاسلام قوله صلى الله عليه وسلم يكفرن العشير ويكفرن الاحسان 4 وكافر النعمة يسمى كافرا وأصل الكفر في اللغة الستر ومنه قيل لليل كافر لأنه يستر قال لبيد في ليلة كفر النجوم غمامها أي سترها وفي هذه المسألة قول ثالث قاله ابن شهاب رواه شعيب بن أبي حمزة عنه قال إذا ترك الرجل الصلاة فإن كان إنما تركها لأنه ابتدع دينا غير الاسلام قتل وإن كان إنما هو فاسق فإنه يضرب ضربا مبرحا ويسجن حتى يرجع قال والذي يفطر في رمضان كذلك قال أبو جعفر الطحاوي وهو قولنا واليه يذهب جماعة من سلف الأمة من أهل الحجاز والعراق قال أبو عمر بهذا يقول داود بن علي وهو قول أبي حنيفة في تارك الصلاة أنه يسجن ويضرب ولا يقتل وابن شهاب القائل ما ذكرنا هو القائل أيضا في قول النبي صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله كان ذلك في أول الاسلام ثم نزلت الفرائض بعد وقوله هذا يدل على أن الايمان عنده قول وعمل والله أعلم وهو قول الطائفتين اللتين ذكرنا قولهم قبل قول ابن شهاب كلهم يقولون الايمان قول وعمل وقد اختلفوا في تارك الصلاة كما علمت واحتج من ذهب هذا المذهب أعني مذهب ابن شهاب في أنه يضرب ويسجد ولا يقتل بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله الا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم الا بحقها 1 قالوا وحقها الثلاث التي قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يحل دم امرئ مسلم الا بإحدى ثلاث كفر بعد إيمان أو زنا بعد إحصان أو قتل نفس بغير نفس 2 قالوا والكافر جاحد وتارك الصلاة المقر بالاسلام ليس بجاحد ولا كافر وليس بمستكبر ولا معاند وإنما يكفر بالصلاة من جحدها واستكبر عن أدائها قالوا وقد كان مؤمنا عند الجميع بيقين قبل تركه للصلاة ثم اختلفوا فيه إذاترك الصلاة فلا يجب قتله الا بيقين ولا يقين مع الاختلاف فالواجب القول بأقل ما قيل في ذلك وهو الضرب والسجن وأما القتل ففيه اختلاف والحدود تدرأ بالشبهات واحتجوا أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم سيكون عليكم بعدي أمراء يؤخرون الصلاة عن ميقاتها فصلوا الصلاة لوقتها واجعلوا صلاتكم معهم سبحة 1 قالوا وهذا يدل على أنهم غير كفار بتأخيرها حتى يخرج وقتها ولو كفروا بذلك ما أمرهم بالصلاة خلفهم بسبحة ولا غيرها قال أبو عمر هذا قول قد قال به جماعة من الأئمة ممن يقول الايمان قول وعمل وقالت به المرجئة أيضا ألا أن المرجئة تقول المؤمن المقر مستكمل الايمان وقد ذكرنا اختلاف أئمة أهل السنة والجماعة في تارك الصلاة . التمهيد لابن عبد البر ج4/ص234 – 242 .
وقال النووي في كتابه المجموع : فرع في مذاهب العلماء فيمن ترك الصلاة تكاسلا مع اعتقاده وجوبها فمذهبنا المشهور ما سبق أنه يقتل حدا ولا يكفر وبه قال مالك والأكثرون من السلف والخلف وقالت طائفة يكفر ويجري عليه أحكام المرتدين في كل شيء وهو مروي عن علي بن أبي طالب وبه قال ابن المبارك وإسحاق بن راهويه وهو أصح الروايتين عن أحمد وبه قال منصور الفقيه من أصحابنا كما سبق وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه وجماعة من أهل الكوفة والمزني لا يكفر ولا يقتل بل يعزر ويحبس حتى يصلي واحتج لمن قال بكفره بحديث جابر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة رواه مسلم بهذا اللفظ وهكذا الرواية الشرك والكفر بالواو وفي غير مسلم الشرك أو الكفر وأما الزيادة التي ذكرها المصنف وهي قوله فمن تركها فقد كفر فليست في صحيح مسلم وغيره من الأصول وعن بريدة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر رواه الترمذي والنسائي قال الترمذي حديث حسن صحيح وعن شقيق بن عبد الله العقيلي التابعي المتفق على جلالته قال كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة رواه الترمذي في كتاب الإيمان بإسناد صحيح واحتجوا بالقياس على كلمة التوحيد واحتج لأبي حنيفة وموافقيه بحديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزان والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة رواه البخاري ومسلم وهكذا الرواية الزان وهي لغة واللغة الفاشية الزاني بالياء وبالقياس عى ترك الصوم والزكاة والحج وسائر المعاصي واحتج أصحابنا على قتله بقول الله تعالى فاقتلوا المشركين إلى قوله تعالى فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم رواه البخاري ومسلم وبحديث نهيت عن قتل المصلين وبالقياس على كلمة التوحيد واحتجوا على أنه لا يكفر لحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خمس صلوات افترضهن الله من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له على الله عهد أن يغفر له ومن لم يفعل فليس له على الله عهد إن شاء غفر له وإن شاء عذبه حديث صحيح رواه أبو داود وغيره بأسانيد صحيحة وبالأحاديث الصحيحة العامة كقول صلى الله عليه وسلم من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة رواه مسلم وأشباهه كثيرة ولم يزل المسلمون يورثون تارك الصلاة ويورثون عنه ولو كان كافرا لم يغفر له ولم يرث ولم يورث وأما الجواب عما احتج به من كفره من حديث جابر وبريدة ورواية شقيق فهو أن كل ذلك محمول على أنه شارك الكافر في بعض أحكامه وهو وجوب القتل وهذا التأويل متعين للجمع بين نصوص الشرع وقواعده التي ذكرناها وأما قياسهم فمتروك بالنصوص التي ذكرناها والجواب عما احتج به أبو حنيفة أنه عام مخصوص بما ذكرناه وقياسهم لا يقبل مع النصوص فهذا مختصر ما يتعلق بالمسألة والله أعلم بالصواب فرع في الإشارة إلى بعض ما جاء في فضل الصلوات الخمس فمن ذلك ما ذكرناه في الفرع قبله وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء قالوا لا يبقى من درنه شيء قال فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا رواه البخاري ومسلم وعن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الصلوات الخمس كمثل نهر غمر على باب أحدكم يغسل منه كل يوم خمس مرات رواه مسلم وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم يغش الكبائر رواه مسلم . المجموع للنووي 3 / 17- 19.
جمعه وكتبه أبو عبد الله : محمد بن
محمد المصطفى
المدينة النبوية
إدارة التوجيه والإرشاد بالمسجد النبوي
قسم الإفتاء والإرشاد
والبحث والترجمة .