الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد،
إنّ العلم هو كالنّور الذي يهتدي به الإنسان في ظلام الليل الحالك، وهو الخير والبركة، وسبيل الهداية إلى الصراط المستقيم، وقد حثّ الإسلام على طلب العلم، والتفقّه في الدين، ورتّب الشارع الحكيم لطلاب العلم والعلماء أجرًا عظيمًا، ورفع من قدرهم ومكانتهم، حيث يقول تعالى: { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } [المجادلة: ١١]، ويقول صلى الله عليه وسلم: « من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين » [متفق عليه].
والعلماء لهم فضل كبير، ومكانة محفوظة في دين الإسلام، فهم أعلام الهدى ومصابيح الدّجى، وهم الذين يقودون الأمة إلى جادة الحق والصواب، فعن طريقهم يعرف المسلم الحلال من الحرام، والحق من الباطل، وهم الذين يقيضهم الله لهذا الدين، فيحملونه على أعتاقهم، ويذبون عنه تحريف الغاليين، وتأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين، ولا بد لكل مسلم من أن يوقر العلماء الربانيين، وأن يحترمهم ويجلهم، فلا يطعن بهم، ولا يبخس من قدرهم، فهم ورثة الأنبياء. وقد أشار أهل العلم إلى أنّ الشارع الحكيم عندما يذكر العلماء ويبين فضلهم ومكانتهم، فهو لا يعني بهذا العلماء مطلقًا، بحيث يدخل في هذا المعنى علماء الحساب أو الطب أو غيرهم، وإنما يعني العلماء الربانيين العارفين بشريعة الإسلام، والذين لديهم قدمٌ راسخة في علوم الكتاب والسنة، لأنّ علمهم هو أشرف العلوم على الإطلاق.
وقد جاء مدح العلماء في حديث نبوي صحيح، حيث جاء وصفهم فيه بأنّهم ورثة الأنبياء، وهذا الحديث جاء من جملة ما يلي: « قال صلى الله عليه وسلم: إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر. » [رواه أبو داود وغيره، وصححه الألباني]، معنى أن كون العلماء هم ورثة الأنبياء: أي أنهم هم الذين يرثون العلم الشرعي عن الأنبياء فيحملونه ويبلغونه إلى الناس، فيتعلم الناس منهم أمور دينهم، كما كان الناس سابقًا يتعلمونها من الأنبياء.
وللإمام ابن القيم الجوزية - رحمه الله - شرحٌ مفيدٌ ونافع لمعنى قول الرسول بأن العلماء ورثة الأنبياء، حيث يقول: « وقوله: (إن العلماء ورثة الأنبياء)، هذا من أعظم المناقب لأهل العلم، فإن الأنبياء خير خلق الله، فورثتُهم خير الخلق بعدهم، ولما كان كل موروث ينتقل إلى ورثته، إذ هم الذين يقومون مقامه من بعده، ولم يكن للرسل من يقوم مقامهم في تبليغ ما أرسلوا به إلا العلماء كانوا أحق الناس بميراثهم. وفي هذا تنبيه على أنهم أقرب الناس إليهم؛ فإن الميراث إنما يكون لأقرب الناس إلى الموروث، وهذا كما أنه ثابت في ميراث الدينار والدرهم، فكذلك هو في ميراث النبوة، والله يختص برحمه من يشاء. » [مفتاح دار السعادة / 178 - 179].
وفي الختام نسأل الله أن يعلّمنا ما ينفعنا، ويزيدنا علمًا، وأن يوفقنا إلى صحبة العلماء الربانيين ومجالستهم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.