" شقي هو من لا يحسن الكلام, والأشقى منه هو من لا يحسن الصمت "
إبراهيم الكوني
هذا العالم ليس للجبناء, لذا لا تنظر إلى النجاح أو الفشل, كن من ذوي العزيمة التامة بلا أنانية, وأعلم بأن العقل الذي ولد لينجح قد أنظم إلى ذوي العزيمة الأكيدة والمثابرين, عش في خضّم معركة الحياة. بإمكانكـ اليوم أيها الإنسان أن تبقى هادئاً في كهف أو حتى في حجرة مظلمة, و النائم أيها الإنسان هو من لم يبتعد عن الهدوء لفترة, ولكنه حين يستيقظ يبقى واقفاً في وسط دوامة وجنون عقلي, ودائماً أنت أيها النائم تحاول الوصول إلى مركز الأحداث, والمركز الذي يصدر الضجيج, فإذا وصلت إليه بدأت في شن هجوم الإكتشاف > كم هو جنون ذلك الإكتشاف بعد النوم ..؟
هناك تدريب يعمل لأخلاقك (مقويات) أخلاقية تساعدك على أن تصبح من أقوى الشخصيات في كمال الأخلاق, وأن تحمل الأثقال الثقيلة من الأخلاق الرفعية, وأن تعمل على منح ذاتك النفسية تلك الروح القادرة على أن تحمل وأن تشارك بأكبر عدد من الأخلاق الحميدة والتي تدل على مدى عزيمتك للإرتقاء من شخصك أمام خالقك الله وأمام خلقه, أليس جميلاً أن نرى جمال كمال الأخلاق في أرواحنا..؟ < ولكننا حقاً نحتاج إلى هدوء السكون في التعامل مع الحدث ..
عندما تبدأ الأصوات المزعجة من حولي بالصراخ, يبدأ جسدي في الدخول لحالة إسترخاء وسكينة, ودراسة عقلية حول الأمر الذي يدور هنا, لا أعلم حقاً على النحو المنتظم ما إذا كانت الحقيقة تختفي مع هذا الجانب أو مع ذاك, ولكن يبقى للـ (شوشرة) مجالاً داخلياً يتعامل مع تلك الأبواب التي تدخل إلى نفسيتي رويداً رويداً وكأنها تقول لي > إهدأ .. إهدأ .. إهدأ إن الحدث لا يستحق كل هذا العناء من الإستنفار ..
تبدأ الحياة بعدها بالدوران بشكل صورة طبيعية أمامي, وتبدأ مرحلة التركيز في إلهامي بأن الذهن يستعد إلى إرسال عمليات إستنشاطية وإستكشافية تسمى فريق العمل الإكتشافي, والذي بذاته يطور من حالة السلام حولي ويسيطر على الأمر, وكأن حقوق الإنسان التي تعمل على منحي وسام الشرف مابيني وبين عقلي كادت أن تضرب على تلك الطاولة لتخبرني بأن العالم الآن قد بدأ في تحيتي من على خشبة المسرح وهم ينددون بالصوت عالياً, هدوء هدوء الشعب يريد الهدوء, كم هو رائعاً ذلك الإحساس وأنت تقف على المسرح والجميع يطالب بالهدوء ليهبوا إليك الفرصة للتحدث ..!
وفجأة أسمع صوت (المايكروفون), وأنا أتفقد عمله بالضرب عليه بأصابع يدي, نعم إنهُ يعمل, وإنها البداية مع هذا الشعب الذي يدخل في مرحلة سكون تام, وكأنهم يضعون أيديهم على أفوائهم, وفي تلك اللحظة تذكرت قصة قد قرأتها في كتاب النهاية لأبن أثير رحمه الله بأن العباس رضي الله عنه, قد إمتدح الرسول صلى الله عليه وسلم في قصيدة فقال له قل لا فض فوك, فقلتُ في نفسي هل حقاً سيقول هذا العالمين لي لا فض فوك, أو أنني سأستمع إلى أصوات الإستهجان التي ستقلب حديثي رأساً على عقب, وسأضيعُ بين أمواج هذا البيان حتى لا أصل إلى مراسيه, أو أنهم حقاً ينتظرون فرصة البداية حتى يبدأون في رمي الأشياء كما يحدث في الأفلام أو المسارح عندما لا يعجبون بمن يمثّل عليها .. ومازلتُ في مرحلة هدوء تلك اللحظة ..
وحينها, وحينها فقط بدأ صوت طفل يبكي في مقدمة الصفوف, وكان صوت بكائه أشبه بمعزوفة جميلة عزفت في تياترو في إيطاليا, وكآنت تحمل السكون لعقلي, والجنون لعقل الحاضرين المنتظرين لبدأ حديثي, رآئعة هي تلك المعزوفة وكأن جاكوبو بيري قد عاد من قبره ليعزف على مسرح الأوبرا أجمل مافي وجودي, ويمنحني قليلاً من الوقت كي أسترد عافية عقلي, وأبدأ في التفكير قليلاً في المنعطف القادم, تمنيتُ حقاً أن أقبل رأس ذلك الطفل, والذي همت والدتهُ بالخروج مسرعة من المسرح, وكأن أعين الحاضرين قد تحاذفت عليها من دوني الواقف على المسرح, وهم يقولون لها هيّا أسرعي بالخروج, أو إسكات هذا الطفل, نريد الإستماع ..؟
وقف ذلك الرجل الكبير, والذي يظهر عليه مدى خبرته في التعامل مثل هذه الأمور, وقال للجميع بصوت تملئه خبرة السنين : هدوء, إن الموقف يحتاج إلى الهدوء, وأنـا هنا لستُ ممن يملك الموقف كي أجبركم على التحدث أو الإنصات أو الصمت, ولكنني أطالبكم بالهدوء كي نصل إلى ما يريد أن يحدثنا بهِ هذا الرجل, ألآ تريدون الوصول إلى عقليته..؟ ألآ تريدون أن يحدثكم عن أمور أحوالكم..؟ إذاً لِما كل هذا ..؟ هدوء هدوء الشعب يريد الهدوء > وبعدها بدأ الجميع من بعده ينادي ويردد هدوء هدوء الشعب يريد الهدوء ..
أستيقضتُ من حلمي على تلك الأصوات, والجميع يردد هدوء هدوء الشعب يريد الهدوء, وما زلتُ على فراشي وأنا أسمع صدى ذاك النداء, ومازلتُ أنظر إلى سقف أعلى غرفتي وأنا أستمع إليهم, والصوت بالكاد يُسمع, وبالكاد بدأ بالإبتعاد, وبالكاد حتى بدأت أؤمن بأنهُ أحد تلك الأحلام, والتي لن تتحقق حتى تصبح الحقيقة كالحلم, ويصبح الحلم كالحقيقة, ولكنني عزمتُ على كتابة تلك العبارة الجميلة على حائط حجرتي هدوء هدوء الشعب يريد الهدوء, وما كنتُ أبحث عن النوم حتى أبحث عن تلك العبارة الرائعة والتي تجعلني أشعر بأن عالمي الحقيقي حقاً يحتاج إلى الهدوء ..
في حالة الهدوء التام, يبدأ عقلنا في البحث عن أبعد من الهدوء ألآ وهو السكون, وذلك السكون هو تلك الحركة الداخلية التي تمنحنا مزاجاً رائعاً, تناغم فيما حولنا من حديث إلى حديث, ونحن في حالة تقبل واسعة تبتسم كلما تسمع كلمة تغضبك , عملية تحليق مثل الطيور بعد الخروج من القفص, عملية تنفس الصعداء من قاع البحر بعد ما نفذت إسطوانة الأكسجين, عملية العثور على جزيرة جميلة بعد التوهان في عالم المحيط المرعب, قضية ناجحة بعد الملل من البحث عن أدلة تثبت نجاحها, سجين يُطلق وهو محكوم عليه بالإعدام, صرخة طفل في الولادة بعد سكون تام, نجاح عملية القلب بنسبة ضيئلة بعد تخوف ورهبة , كل هذه االأحاسيس تجعلني أكتب على حائط حجرتي هدوء هدوء الشعب يريد الهدوء ..
رؤية كاتب
حآن وقت إزعاج الهدوء كي يصمت الجميع ويتحدث الصمت, مآ أجمل السكون الذي يُعبّر دون أن ينطق ..؟
شوقي لكم لآ يقاس يآ أخوتي الكرام .. تحية جما لجمال تواجدكم معنآ ..