أمُّ إبراهيم المصرية (مارية القبطية)
مؤمنة من أهل مصر، ارتبط اسمها بالسيدة هاجر، زوج خليل الله إبراهيم -عليه السلام-، تزوجت من نبي، وأنجبت له ولدًا، وقدمت إلى بلاد الحجاز؛ لتسكن يثرب. وقد بَيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن له بمصر رحمًا؛ وأوصى أصحابه بالإحسان إلى أهلها عند فتحها، فعَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ وَهِىَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا ». أَوْ قَالَ « ذِمَّةً وَصِهْرًا فَإِذَا رَأَيْتَ رَجُلَيْنِ يَخْتَصِمَانِ فِيهَا فِى مَوْضِعِ لَبِنَةٍ فَاخْرُجْ مِنْهَا » مسلم (6658) .
إنها مارية بنت شمعون، أهداها المقوقس - عظيم القبط في مصر- للنبي صلى الله عليه وسلم ومعها أختها سيرين، وعبد خصيٌّ يُدْعَى مأبور، وأَلْف مثقال ذهب، وعشرون ثوبًا لينًا من نسيج مصر، وبغلة شهباء تُسمَّى دلدل، وبعض من عسل، وبعض المسك، وبعض أعواد البخور. وقد حملها إلى النبي صلى الله عليه وسلم حاطبُ بن أبى بلتعة رسول النبي صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس. وقد عرض حاطب الإسلام على مارية فأسلمت. وُلدت مارية بقرية تدعى حَفن تقع على شرق النيل في صعيد مصر، وقضت فيها طفولتها، فلما شبت انتقلت مع أختها سيرين إلى قصر المقوقس بالإسكندرية.
فلما وصلت هدية المقوقس إلى نبي اللَّه محمد صلى الله عليه وسلم أنزل مارية وأختها سيرين على أم سليم الغميصاء بنت ملحان، ثم وهب سيرين إلى شاعره حسان بن ثابت، واحتفظ لنفسه بالسيدة مارية -رضي الله عنها-. أكرمها النبي صلى الله عليه وسلم ، ونزلت من قلبه منزلة عظيمة، وكانت -رضى الله عنها- جميلة، وأنزلها أول ما قدم بها في بيت لحارثة بن النعمان الأنصاري، فكانت بجوار السيدة عائشة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقضي معظم الليل والنهار عندها، فحزنت لذلك السيدة عائشة، وغارت عليها فحوَّلها النبي صلى الله عليه وسلم إلى العالية بضواحي المدينة وكان يذهب إليها هناك، وبعد سنة تقريبًا أنجبت مارية للنبي ابنه إبراهيم في ذى الحجة سنة ثمانِ من الهجرة. -ويقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم بعدها أعتقها وتزوجها- وقد فرح النبي صلى الله عليه وسلم بابنه فرحًا كبيرًا؛ وسماه في اليوم السابع إبراهيم، وحلق شعره وتصدق بوزنه فضة، وعَقَّ عنه بكبش.
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - قَالَ دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أَبِى سَيْفٍ الْقَيْنِ ( الحداد ) - وَكَانَ ظِئْرًا لإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -(زوج المرضعة غير ولدها ) فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ ، ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَذْرِفَانِ . فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ - رضى الله عنه - وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ « يَا ابْنَ عَوْفٍ إِنَّهَا رَحْمَةٌ » . ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ ، وَلاَ نَقُولُ إِلاَّ مَا يَرْضَى رَبُّنَا ، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ » البخارى (1303 ).
وعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ، قَالَ : تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ابْنَ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ادْفِنُوهُ بِالْبَقِيعِ ، فَإِنَّ لَهُ مُرْضِعًا تُتِمُّ رَضَاعَهُ فِي الْجَنَّةِ" عبد الرزاق(14014) صحيح
وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاة ابنه إبراهيم بسنة واحدة، ولم تعمِّر السيدة مارية -رضي الله عنها- بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلا؛ حيث توفيت -رضي اللَّه عنها- سنة ست عشرة من الهجرة، وصلى عليها عمر بن الخطاب -رضى اللَّه عنه-، ودفنت بالبقيع بجانب أمهات المؤمنين.
وبعد فتح مصر سنة عشرين من الهجرة اهتم الصحابي الجليل عبادة بن الصامت بالبحث عن القرية التي ولدت بها السيدة مارية، وبنى بها مسجدًا، وتعرف الآن ببلدة الشيخ عبادة