فرض الله تعالى الصّيام على كلّ بالغٍ عاقلٍ مسلمٍ من أمّة محمّد عليه الصّلاة و السّلام ، فالصّيام شرع لتهذيب النّفس و تزكيتها ، و للشّعور بأحوال الفقراء و المساكين ، و الصّيام ركنٌ من أركان الإسلام من أنكر فرضيّته كفر بإجماع العلماء ، و قد جعل الله سبحانه و تعالى للصوم شهراً معيّناً و هو شهر رمضان المبارك ، فمن أدرك شهر رمضان وجب عليه أن يصومه فإن فاته شيءٌ منه لمرضٍ أو سفرٍ فافطر فعليه قضاؤه ، و هو شهر تضاعف فيه الحسنات أضعافاً كثيرةً ، و الأجر فيه ليس كغيره من الأشهر ، و هو الشّهر الذي أنزل فيه القرآن الكريم و فيه ليلة القدر المباركة التي جعلها الله خير الليالي و أفضل من ألف شهر .
و قد ندب النّبي صلّى الله عليه و سلّم إلى صيام التّطوع حيث قال ( من صام يوماً في سبيل الله باعد الله بهذه اليوم وجهه عن النّار سبعين خريفا ) ، و صيام التّطوع و هو مثل صيام الفرض في كيفيّته حيث يمسك الإنسان عن الطّعام و الشّراب حتى غروب الشّمس ، إلا أنّه يختلف عن صيام الفرض بأنّه قد يحدّد بيومٍ معيّن مثل صيام يوم عرفة الذي يكفّر سنةً سابقة و حاضرة ، و يوم عاشوراء الذي يكفّر سنةً سابقة ، و كذلك صيام الأيّام البيض من كلّ شهر ، و هو يوم الثّالث عشر و الرّابع عشر و الخامس عشر من كلّ شهر ، و قد يكون صيام التّطوع غير محدّدٍ بيوم معين كصيام داود عليه السّلام و هو خير الصّيام حيث كان يصوم يوماً و يفطر يوماً .
و قد سمّيت الأيّام البيض التي يندب صيامها بهذا الإسم نظراً لأنّ القمر يكون فيها بدراً يضيء السّماء ، و قد أثبت العلم الحديث بأنّ جسم الإنسان في هذه الأيّام و بسبب تأثير جاذبيّة القمر تزيد نسبة السّوائل فيه و يتهيّج دمه ، و بالتّالي يكون متقلّب المزاج ، و قد لاحظ ذلك الغرب حين وجد زيادةً في نسبة الجرائم التي ترتكب في هذه الأيّام ، لتتبيّن حكمة الشّرع و إعجازه في ندب صيام تلك الأيّام حيث تكون ضابطاً لمزاج الإنسان و تقلّباته .