شروط الصيام
أيها الاحبة المؤمنون
لا زلنا بمعونة الرحمان نجول في رحاب روضات الجِنان من دروس رمضان ،
وإن هذا لهو الفضل الكبير ،
ونسأل الله العلي القدير أن يجعلنا عنده من المقبولين ،
أخرج الشيخان البخاري ومسلم في صحِيحيْهِما ،
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من يرد الله به خيرا يفقه في الدين " ؛
لذلك سيكون حديثنا حول فقه الصيام ، وسنقتصر في درس اليوم على تعريف الصيام وبيان حكمه وشوطه والمسائل المتفرعة عن ذلك (1):
=====
تعريف الصيام وحكم صوم رمضان
يطلق الصيام في اللغة ، على الإمساك عن الشيء مطلقا ، ومنه قوله تعالى – حكاية عن مريم - : " إني نذرت للرحمن صوما " أي إمساكا عن الكلام .
أما في اصطلاح الفقهاء فهو : الإمساك عن شهوتي البطن والفرج من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بالنية .
و صوم رمضان فرض عين على كل مكلف ، دل على فرضيته القرآن والسنة والإجماع ،
فمن القرآن قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون .. إلى قوله تعالى .. فمن شهد منكم الشهر فليصمه . . . " ( البقرة )
ومن السنة قوله صلى الله عليه و سلم : " بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان " ( أخرجه مسلم )
وقد أجمعت الأمة على فرضية صوم رمضان ولم يخالف في ذلك أحد من المسلمين ، فهو معلوم من الدين بالضرورة ، وهو أحد الأركان الخمسة للإسلام ؛ ومن أنكره كان كافرا بالإجماع .
وقد فرض صيام رمضان يوم الاثنين ، لليلتين خلتا من شهر شعبان ، في العام الثاني من الهجرة .
=====
شروط الصوم
الشروط جمع شرط وهو : (ما يلزم من عدمه العدم و لا يلزم من وجوده وجود و لا عدم) ، و شروط الصوم عند علمائنا المالكية تنقسم إلى ثلاثة أقسام ، شروط وجوب فقط ، وشروط صحة فقط ، وشروط وجوب وصحة معا ، وتفصيلها كالآتي :
===
أولا : شروط الوجوب فقط
وهي التي لا يطالب المكلف بتحصيلها سواء كانت قي قدرته أم لا ، وعددها ثلاثة :
1- البلوغ: فلا يجب الصيام على صبي ولا يؤمر به ، قال العلامة الصاوي في الحاشية:" فَالصَّبِيُّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ( الصيام ) بَلْ يُكْرَهُ لَهُ ، وَلَيْسَ كَالصَّلَاةِ يُؤْمَرُ بِهِ عِنْدَ سَبْعٍ وَيُضْرَبُ عَلَيْهِ عِنْدَ عَشْرٍ ."
2
- القدرة على الصيام: فلا يجب على عاجز عن الصيام ، سواء كان عجزه حقيقيا ، ككونه مريضا أو شيخا كبيرا ، أو كان عجزه حكميا ، كالمرأة المرضع التي لها قدرة على الصوم ، لكنها تخاف على رضيعها أن يلحقه ضرر بسبب صيامها هي .
3
- الإقامة : فلا يجب على مسافر سفر قصر.
فهؤلاء جميعا لا يجب عليهم الصيام ، وإن صاموا صح صيامهم .
===
ثانيا: شروط الصحة فقط
وهي التي لا تصح العبادة إلا بوجودها ، وعددها اثنان :
1- الإسلام: فلا يصح الصيام من كافر وإن كان واجبا عليه ؛ باعتبار أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة .
2- الزمان القابل للصوم: فلا يصح الصيام في غير الزمان الذي جعل الشارع الصوم فيه ، فلا يصح الصيام في العيدين مثلا ، ومن فعل ذلك كان عاصيا ، لما أخرج مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يصلح الصيام في يومين يوم الأضحى ويوم الفطر من رمضان " ، كما يحرم الصيام في اليوم الثاني والثالث من عيد الأضحى ؛ لما أخرج مسلم في صحيحه : " أيام التشريق أيام أكل وشرب " .
ثالثا: شروط والجوب والصحة معا
وتسمى بشروط الأداء ، وهي ثلاثة شروط :
- 1 العقل: فلا يجب على مجنون و لا مغمى عليه ولا يصح منهما وهما على ذلك،
قال صلى الله عليه وسلم قال: " رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل " رواه أبوداود
- 2النقاء من دم الحيض و النفاس: فلا يصح من حائض و لا نفساء و لا يجب عليهما .
- 3 دخول وقت صوم رمضان: فلا يجب و لا يصح قبل ثبوت الشهر
فهؤلاء جميعا لا يجب عليهم الصيام ، وإن صاموا كان صيامهم غير صحيح .
المسائل المتفرعة عن شروط الصيام
وسنبين الآن بعض المسائل المتفرعة عن هذا الموضوع :
1
- يجوز الفطر للمريض في حالتين : أولاهما : إذا شق عليه الصوم . والثانية: إذا كان يعلم بالتجربة أو بإخبار طبيب أن مرضه قد يزيد أو أن شفاؤه قد يتأخر بسبب الصوم .
2
- ويجب الإفطار على المريض إذا خاف على نفسه هلاكا ، فيجب عليه الإفطار في هذه الحال ؛ حفظا للنفس التي أوجب الله حفظها ، وإن لم يفعل كان آثما ،
لقوله تعالى : " وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا " (النساء 30).
ويجب القضاء على المريض الذي يرجى شفاؤه ، لقوله تعالى :" فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ" (البقرة 184).
بخلاف صاحب المرض المزمن فلا قضاء عليه ،
وإنما عليه أن يتصدق عن كل يوم أفطره بمد من غالب قوت أهل البلدة ، وهو السميد عندنا في الجزائر ، و يجوز إخراج قيمته المالية ، وهي : ((من 25 دج إلى 70دج).
ولا يجب الصيام على الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة ، إذا شق عليهما الصيام ، ويباح لهما الإفطار ولا قضاء عيهما ،
ويستحب لهما أن يتصدقا عن كل يوم بمد من غالب قوت أهل البلد ، أو يخرجا قيمته المالية ، قال تعالى:" وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ " (البقرة 184).
فتشمل هذه الآية الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة ، وأصحاب الأمراض المزمنة، الذين لا يستطيعون الصوم ، فيفطرون ويطعمون مكان كل يوم مسكينا.
3- والحامل والمرضع لا يجب عليهما الصوم ، و يباح لهما الإطار إذا شق عليهما الصيام أو خافتا على ولدهما ،
وفي الحديث : " إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة وعن الحامل والمرضع الصوم أو الصيام " (أخرجه الترمذي ).
ويجب عليهما القضاء والإطعام معا إن أفطرتا خوفا على غيرهما ، أي على ولدهما ،
فيتصدقا عن كل يوم بمد من غالب قوت أهل البلد ، ويجوز إخراج قيمته ، وهي : (من 25 دج إلى 70دج).
أما إن أفطرتا خوفا على نفسهما فعليهما القضاء فقط ، والله أعلم .
4
- لا يجب الصيام على الحائض والنفساء و لا يصح منهما ، ويجب عليهما القضاء ،
وإذا طهرت إحداهما قبل الفجر وأخرت الغسل بعده ، فصيامها صحيح ، وإن راودها الشك هل حصل لها الطهر قبل الفجر أو بعده ، وجب عليهما صيام ذلك اليوم ، كما يجب عليها قضاؤه احتياطا ،
لكن إذا خرج منها الدم بعد طلوع الفجر بطل صيامها و لا يلزمها إمساك في هذه الحالة و لو ظلت بقية يومها طاهرا .
5- لا يجب الصيام على المسافر كما تقدم ولو لم تكن فيه مشقة ، لأن العلة في إباحة الفطر للمسافر ليست هي المشقة ، وإنما هي السفر ، ولكن قال علماؤنا : الصوم في السفر أفضل لمن لا يشق عليه الصيام .
6- وإنما يباح الفطر للمسافر بالشروط الآتية :
* أن تكون المسافة يباح فيها قصر الصلاة ، وهي 84 كيلو متر تقريبا .
* أن يسافر قبل الفجر ، إذا كان اليوم الأول من سفره ،
فإن خرج بعد الفجر لم يجز له الفطر في ذلك اليوم ؛
لأن تعالى يقول : (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) وهو قد شهده ؛ إذ أدركه الفجر وهو مقيم ، أما في اليوم الثاني و ما بعده فله الفطر ولو خرج نهارا ، لكونه صار مسافرا .
* أن يبيت الفطر ليلا ، أما إن بيت الصيام ثم بدى له الفطر نهارا فلا يجوز له ذلك عند علمائنا ،
إلا إذا كانت هناك ضرورة كأن يطرأ له ما يجب السفر نهارا وشق عليه الصوم في السفر ،
فلا تكليف – حينئذ – إلا بمقدور .
لكن جمهور الفقهاء على غير هذا ، حيث جوزوا الفطر لمن بيت الصيام وخرج قبل الفجر وأراد الفطر أثناء النهار .
* ويجوز الفطر للمسافر ولو أقام يومين أو ثلاثة في سفره ، فإذا نوى إقامة أربعة أيام صار في
حكم المقيم ، ولم يجز له الفطر حينئذ .
* وإذا وصل المسافر إلى محل إقامته نهارا وهو مفطر ، جاز له الأكل بقية يومه ،
ولكن عليه أن يستخفي عن الأنظار ، وله أن يجامع زوجته إذا وجدها قد طهرت أثناء ذلك النهار واغتسلت .
=========
تقبل الله صيامكم بمزيد من الاجر والمغفرة والثواب
والسلام عليكم